محالا أن يكون علمه غدا كعلمه فى هذا اليوم ، بل قد تغير. وأما أنه كيف يكون علمه فهو أن يكون بسبب ، أعنى أن يكون يعرف الموجودات كلها على وجه كلى ، وإذا كانت الأشياء كلها واجبة عنده إلى أقصى الوجود فإنه يعرفها كلها ، إذ كلها من لوازمه ولوازم لوازمه. وإذا علم أنه كلما كان كذا كان كذا ، أعنى جزئيا ، وكلما كان كذا كان كذا ، أعنى جزئيا آخر ، وتكون هذه الجزئيات مطابقة لهذا الحكم يكون قد عرف الجزئيات على الوجه الكلى الذي لا يتغير ، الذي يمكن أن يتناول أى جزئى كان لا هذا المشار إليه. إلا أن هذا الجزئى لما تخصص فلأسباب مخصصة جزئية أيضا. والجزئيات قد تعرف على وجه كلى ما لم يكن مشارا إليها أو مستندة إلى مشار إليه. مثال ذلك أنك إذا قلت : من سقراط ، فتقول : هو الذي ادعى النبوة وقتل ظلما وابن ملك فإن هذا كله يمكن حمله على كثيرين ما لم تسنده إلى شخصى ، فتقول هو ابن هذا الإنسان المشار إليه ، فإن سقراط حينئذ مشار إليه إذ أسندته إلى مشار إليه. فواجب الوجود لا يجوز أن يكون علمه بالجزئى بحيث يكون مشارا إليه كالكسوف مثلا : فنقول هذا الكسوف المشار إليه أو الكسوف الذي يكون فى هذا اليوم أو غدا فإنه يعرف غدا أيضا على وجه كلى ، فإنه يعرفه بعد زمان كذا وحركة كذا فلا يعرفه مشارا إليه. وواجب الوجود مع إحاطة علمه بالجزئيات ونظام الموجودات على وجه كلى فلذلك يعلم أن نظام العالم هو نظام واحد ، أى هذا النظام المعقول ، فيكون قد أحاط علمه به على وجه كلى. فإنه إن لم يحط علمه بوحدانية النظام المعقول له لا يكون قد عرف العالم على حقيقته. ومثال هذا أن منجما إذا قال المقارنة فى هذا الوقت تقارن القمر كذا ، يكون العلم به متغيرا لأن هذه المقارنة بعينها لا تقع على غيرها فلهذا يبطل العلم مع بطلان هذه المقارنة. فهذه المقارنة متشخصة بزمان متشخص وهو هذا الوقت لأنها كانت فى هذا الوقت ، فلا يمكن حملها على غيرها. فالأول إذا كان يعرف من ذاته لوازمه ولوازم لوازمه على ترتيب السببى والمسببى ويعلم أنه كلما كان كذا كان كذا أى مسبب عن ذلك السبب إذ هو مسببه المطابق له فإنه يكون عارفا بالأشياء كلها على وجه كلى. ونحن لا نعرف الأسباب كلها وإلا كان علمنا علما كليا لا يتغير لو أدركنا الشىء بأسبابه ، ومع ذلك فإننا لا ننفك عن التصور والتعقل؛ ومعارضة الوهم تنقضه. وبعض الأسباب متوهمة لا معقولة : ومثال هذا أن منجما يعلم أن الكوكب الفلانى كان أولا فى الدرجة الفلانية فصار إلى الدرجة الفلانية ، ثم بعد كذا ساعة قابل الكوكب الفلانى وقد دخل بعد كذا ساعة فى الكسوف ، ثم يبقى بعد كذا كذا ساعة فى ذلك الكسوف ، ثم فارق الشمس وانجلى. ويكون قد عرف كل ذلك بأسبابه ولا يكون
صفحة ١٤