يكون على ما يكون الأشياء علته فى الوجود إلا أنه لا يكون حسا مشارا إليه فإنه يعلم الكسوف الذي يكون فى غد لا حسا مشارا إليه فإنه يحدث ويتغير ولا يحدث علمه ويتغير بل يعرف كليا بأسبابه وعلله. فإنه يعلم أنه يكون بعد زمان كذا وعند اجتماع كذا وكذا وعلى وجه كلى بأسبابه وعلله فنفس وجود الأشياء هو معلوميتها له.
علم الأول ليس هو مثل علمنا ، فإن العلم فينا من لونين : علم يوجب التكثر ، وعلم لا يوجب التكثر. فالذى يوجب التكثر يسمى علما نفسانيا والذي لا يوجبه يسمى عقليا ، على ما يجيء شرحه. ومثال ذلك هو أنه إذا كان رجل عاقل يكون بينه وبين غيره مناظرة فيورد صاحبه كلاما طويلا فيأخذ العاقل فى جواب تلك الكلمات ، فيعرض لنفسه أولا خاطر يتيقن بذلك الخاطر أنه يورد جواب جميع ما قاله من دون أن يخطر بباله تلك الأجوبة مفصلة ، ثم يأخذ بعد ذلك فى ترتيب صورة صورة وكلمة كلمة ويعبر عن ذلك التفصيل بعبارات كثيرة. وكلا العلمين علم بالفعل : فإنه بالخاطر الأول يتيقن أن عنده أجوبة جميع ما قاله صاحبه وذلك التيقن هو بالفعل. وكذلك الثاني هو علم بالفعل. فالأول علم هو مبدأ لما بعده فاعل للعلم الثاني والثاني علم انفعالى. والثاني يوجب الكثرة ، والأول لا يوجب الكثرة ، إذ للعلم الأول إضافة إلى كل واحد من التفاصيل. ثم الإضافة لا توجب الكثرة على أن لكل تفصيل من تلك التفاصيل معقولا على الوجه الأول أعنى معقولا كليا ينقسم إلى تفاصيل أخرى كثيرة ومقاييس كثيرة فإنه إذا كان قياس يجب تصحيح مقدماته بأقيسة كثيرة أخرى ولكل واحدة من هذه الجملة معقول كلى يصدر عنه تفصيل بحسبه فعلم واجب الوجود يكون على الوجه الأول بل أشد بساطة وأبلغ تجردا.
التصور الذي يكون للنفس يكون له تفصيل ونظم وترتيب للألفاظ والمعانى. ومثاله : كل إنسان حيوان ، فإن النفس تفصل فى ذاتها معانى هذه الألفاظ. وكل معنى منها يكون كليا ، ويجوز أن يغير الترتيب حتى يكون هذا الحيوان محمولا على كل إنسان. والمعنى المعقول من هذا القول : «كل إنسان حيوان» غير مختلف باختلاف الترتيبين.
ليس فى وسع أنفسنا وهى مع من البدن أن تعقل الأشياء معا دفعة واحدة.
التصور البسيط العقلى هو أن لا يكون هناك تفصيل ، لكن يكون مبدأ للتفصيل والترتيب : مثلا إذا عرفت أن الله ليس بجسم قبل أن تأخذ فى تفصيل البرهان عليه
صفحة ١٩٣