عنه هذه الأشياء وجودا ملائما له ، وذاته خير ونظام. فهذه الأشياء ذوات خيرية وهى كما أنها موجودة هى منتظمة ، كما أنها معقولة هى موجودة. ومعناه أن نفس وجودها منتظمة هو نفس معقوليتها على هذه الصفة ، وهو من حيث هو خير : غاية ، ومن حيث هو مبدأ : فاعل ، وهما شىء واحد ، إلا أنه يختلف بالإضافات وبالاعتبارات ، فيجب أن يعقل أنه واجب الوجود ، وأنه مبدأ ، وأنه خير ، وأنه غاية ، وأنه فاعل ، وأنه قادر ، وأنه كذا يعنى أنه معنى واحد ، لأنه ليس هناك كثرة ، وإنما ذلك يعرض بحسب الاعتبارات ، وليس يحتاج إلى أن يعتبر فى ذاته أنه خير ونظام ، وأنه كذا وكذا فيعرف ذاته متكثرة ، بل هذه المعانى هى واحدة ، وهى نفس هذا الوجود ، أى نفس الوجوب والنظام والخيرية وسائر الصفات التي له بحسب الاعتبارات التي يعرفها له من أدركه وعرفه. وليس هو بحسب هذه الاعتبارات ، بل هو فى نفسه خير ونظام واحد. وليس يحتاج إلى أن يجتهد فى أن يكون على أفضل ما يمكن كما يحتاج إليه الفلك وما سواه ، بل هو موجود على أفضل ما يمكن أن يكون.
لو أن صورة حلت فى ذهنك كان نفس وجودها نفس عقليتك لها ، وما كان يجب أن توجد فى ذهنك أولا ثم تعقلها ثانيا ، بل نفس وجودها فى ذهنك نفس معقوليتها لك. نحن إذا رأينا شيئا ارتسمت فى خيالنا صورته ، فانتزع العقل منها معناه ، فيكون المعقول فيه هو الذي إذا سمعنا باسمه كان حاضرا لنا. والمثال فى ذلك واضح.
الآلة إنما جعلت للشىء ليكتسب بها ما هو له بالقوة ، لا بالفعل. وشعور الذات بالذات لم يكن فقط بالقوة ، بل هى مفطورة عليه. وذات الإنسان ذات شاعرة ، فشعورها بذاتها بالطبع لها. وإذا كان كذلك لم يكن باكتساب. وإذا لم يكن باكتساب لم يكن بآلة.
الشعور بالذات ذاتى للنفس ، لا يكتسب من خارج ، وكأنه إذا حصل الذات حصل معها الشعور ، ولا نشعر بها بآلة ، بل نشعر بها بذاتها ومن ذاتها. وشعورنا شعور على الإطلاق ، أعنى لا شرط فيه بوجه ، وأنها دائمة الشعور لا فى وقت دون وقت. وإدراك الجسد هو من طريق الحس ، وذلك إما بالبصر ، وإما باللمس. فمن جوز أن تكون المعرفة بالذات من طريق الاستدلال عليه بالحس ، يلزمه أن يكون لم يعرف ذاته على الإطلاق ، بل عرفه حين أحس جسمه. وأيضا فإن الإدراك بالحس يوجب أن يكون هناك شىء علم أنه قد أدرك المحسوس بالحس ، ويكون غير
صفحة ١٦٠