التعليقة
القاضي أبو محمد الحسين بن محمد بن أحمد المروروذي
تحقيق/
الشيخ/ علي محمد معوض والشيخ/ عادل أحمد عبد الموجود
مكتبة نزار مصطفى الباز
مكة المكرمة
صفحة غير معروفة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد وآله أجمعين.
قال- ﵁ وعن والديه -: ليس شيء أفضل عند الله تعالى من طلب العلم، والله تعالى إنما فضل آدم صلوات الله عليه لأجل العلم.
قال الله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها). الآية
قيل: أراد به اسم جميع الأشياء حتى الفأس والقدر، وغيرهما.
وقال الله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم).
فجعل العلماء في الدرجة الثالثة في الشهادة على وحدانيته
وقد روي في هذا الباب أخبار كثيرة:
روي عن النبي ﷺ، أنه قال: «من أحب العلم والعلماء لم تكتب عليه خطيئة أيام حياته».
1 / 79
وروي أنه قال ﵇: «من أكرم عالما فكأنما أكرم سبعين نبيا، ومن أكرم متعلما فكأنما أكرم سبعين شهيدًا».
وروي أنه قال ﵇: «من صلى خلف عالم فكأنما صلى خلف نبي، ومن صلى خلف نبي فقد غفر له من ذنوبه ما تقدم».
وروي أنه قال ﵇: «من تعلم بابًا من العلم ليعمل لنفسه، أو ليعلم غيره كان أفضل من ألف ركعة».
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلاطين، فإذا خالطوهم فاجتنبوهم، ومن تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يأتي باب الملوك ويستجلب دنانيرهم، ودراهمهم لقي الله
1 / 80
تعالى وهو عليه غضبان، ويأتي ذلك العلم وشقه مائل ولعابه سائل، يقذره الخلائق».
وروي أن النبي ﷺ، سأل جبريل ﵇: أي الجهاد أفضل؟ قال: طلب العلم، قال: ثم بعد؟ قال: النظر إلى وجه العالم، قال: ثم بعد؟ قال زيارة العلماء)
1 / 81
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين.
ما من طالب علم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله تعالى له بكل قدم عبادة سنة، وبني له بيتا في الجنة، ويمشى على الأرض، والأرض تستغفر له، ويصبح ويمسى مغفورًا له، وشهدت الملائكة بأن هؤلاء عتقاء الله من النار.
وروى عن النبي ﷺ أنه قال: النوم على العلم أفضل من الصلاة على الجهل.
وروى أن النبي ﷺ قال لأبي الدرداء: أغد عالمًا أو متعلمًا، ولا
1 / 82
تكن الثالث فتهلك.
وروى أنه قال ﵇: اغد عالمًا أو متعلمًا أو مستمعًا أو محبًا، ولا تكن الخامس فتهلك.
وروى أنه قال ﵇: الناس اثنان: عالم، ومتعلم، وسائر الناس همج لا خير فيهم.
والهمج: دويبة تطير على رأس الحش.
وروى أنه ﵇، قال: اطلبوا العلم ولو بالصين.
1 / 83
وروي عن كثير بن قيس أنه قال: كنت في مجلس أبي الدرداء، إذ دخل من ناحية دمشق، فقال له: من أين جئت؟ فقال: جئت من ناحية دمشق، فقال: لماذا جئت؟ فقال: جئت لتروي لي خبرًا عن النبي ﷺ فقال له أبو الدرداء: أما جئت إلا لهذاا؟ فقال: والله ما جئتك لحاجة في دينار ولا درهم، وإنما جئتك لتروي لي خبرًا عن النبي ﷺ فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من سلك طريقا في طلب العلم سلك به طريق من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العلماء يستغفر لهم من في السموات، ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب،
1 / 84
وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ شيئا منه، فقد أخذ بحظ وافر.
قوله: تضع أجنحتها، قيل: تواضعًا وتقربًا إليهم.
كقوله تعالى (واخفض جناحك للمؤمنين).
وقيل: إنها تبسط أجنحتها حتى يمشوا عليها.
وروى أن عبد الله بن المبارك قيل له: لو أوحي الله تعالى إليك، أنه لم يبق من عمرك إلا هذه العشر، ما كنت صانعًا فيه؟ قال: كنت أطلب العلم.
وحكي عن سفيان الثوري أنه قال: ليس شيئا أفضل عند الله تعالى من طلب العلم إذا صحت النية.
1 / 85
فقيل: وما صحة النية؟ فقال: أن يراد به وجه الله تعالى، والدار الآخرة.
وروى عنه أيضا أنه قال: تعلمنا العلم لغير الله، فأبي العلم أن لا يكون إلا لله.
وسفيان رجل كثير العلم حتى أنه قيل: إنه جلس بين يديه أربعة آلاف محبرة يكتبون الحديث منه.
وقال الشافعي ﵀، وأنار برهانه، وجعل الجنة مثواه ومضجعه، طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
1 / 86
وقال أيضا: طالب العلم عبد، والعلم حر، فمن خدمه ملكه، ومن تجبر عليه هجره، والعلم أشد تجبرًا من أن يخضع لمن لا يخضع له.
فصلٌ: العلم علمان: علم التوحيد، وعلم الشريعة
1 / 87
فأما علم التوحيد: فيجب علي كل مكلف أن يعرف الله تعالى بالصفات التي وصف بها نفسه، ولا يجوز التقليد في علم التوحيد، فإذا عرف الله
1 / 88
تعالى ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويؤمن بالبعث والقيامة، وما يليق به فيكون مؤمنا، والمتكلمون من أصحابنا تعمقوا فيه، فقالوا: ينبغي أن يعرف الله تعالى بالدليل، فإن لم يعرفه بالدليل، فلا يكون مؤمنًا.
1 / 89
والأصح: أنه يحكم بإيمانه إذا كان مقرًا بمعرفة الله تعالى وبأوامره ونواهيه، لما روى عن النبي ﷺ أنه قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى.
والدليل على أن معرفة الله تعالى ممكن من غير لحاق مشقة: أن الله تعالى إذا أتم خلقه الإنسان، وسوى حواسه الخمس، فإذا نظر إلى السماوات وما فيها، وإلى الأرضين وما فيها من أنواع الخلائق، وإلى نفسه علم أن له صانعًا مدبرًا حكيمًا.
قال الله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
وهذا العلم يفترض على من كان بالغًا عاقلًا.
والعلم الثاني: علم الشريعة:
وذلك قسمان: قسم يجب على من كان بالغًا عاقلا أن يتعلم ذلك، وقسم يكون فرضًا على الكفاية.
فأما ما هو فرض عين: فإنه علم ما يتوصل به إلى عبادة الله تعالى لأن
1 / 90
الله تعالى، قال (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين) الاية، وقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
فمن كان بالغًا، يجب عليه أن يتعلم علم الصلاة: الفرائض، والسنن، والتمييز بين فريضة وفريضة، وبين السنن والفرائض، ويجب عليه أن يتعلم ما تكون السنن من الصلاة والأركان، فلو أتي بالصلاة بأركانها، وسنتها على اعتقاد أن الكل يكون سنة لا تصح صلاته قولا واحدًا.
ولو أنه أدى الكل على ظن أن الكل فرض، فالمذهب الصحيح، أنه لا تصح صلاته.
ومن أصحابنا من قال: تصح صلاته.
وكذلك إذا ابتلي بالزكاة، فيجب عليه أن يتعلم علم الزكاة، في أي جنس تجب الزكاة، ومن أي جنس تخرج الزكاة، ومتى تخرج؟، وإلى من تصرف؟
1 / 91
وإذا ابتلي بالصوم، فعليه أن يتعلم كيفية النية، والمفطرات للصوم.
وإذا ابتلي بالحج، فعليه أن يعرف أركان الحج، والمفسدات للحج.
1 / 92
وإذا ابتلي بالبيع والتجارة، فعليه أن يتعلم من علم البيع كيفية المعاملة، وما يجري فيه الربا.
1 / 93
وما لا ربا فيه، وكيفية الإيجاب والقبول
وإذا ابتليى بالنكاح، فينبغ أن يعرف الوقت الذي يحرم فيه إتيان
1 / 94
النساء، والدليل على هذا قوله ﵇، بني الإسلام على خمس. الحديث.
وقال ﵇: طلب العلم فريضة على كل مسلم، الحديث
1 / 95
أراد به: ما ذكرنا مما هو فرض على كل بالغ عاقل.
قال الشافعي ﵀: ويجب على كل امريء أن يتعلم من العربية ما يؤدي به فرائص الله تعالى.
والعلم الثاني: مثل دقائق المسائل في الصلاة، وفي الشركة.
1 / 96
وفي القراض، والديات، وهذا فرض على الكفاية.
1 / 97