وعلى هذا تعريف أبي حيان أشمل من سابقه، لماذا؟ لأنه أدخل علم القراءات، قد يقول قائل: علم القراءات علم مستقل، ولذا يقال له: علم القراءات، كما قال: علم التفسير، فلماذا يدخل في علم التفسير؟ لا شك في دخول علم القراءات في التفسير، لماذا؟ لأن المعنى قد يختلف باختلاف القراءة، فاحتيج إليه في التفسير، احتاج المفسرون إلى إدخال علم القراءات في التفسير كما احتاجوا إلى غيره من العلوم، كعلم اللغة بفروعه، متن اللغة، وفقه اللغة، والنحو والصرف والبيان والمعاني والبديع وغيرها، كما أن علم التفسير بحاجة ماسة إلى معرفة النسخ، وبيان الناسخ من المنسوخ، وهو من أهم ما ينبغي أن يعتنى به، سواء كان ذلك للمفسر أو المحدث أو الفقيه أو غيرهم، كل من يتعاطى ويزاول علوم الشريعة لا بد أن الناسخ من المنسوخ، وقف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على قاص فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، لكن ينبغي أن يعتنى ويحرر الناسخ من المنسوخ؛ لأن المفسرين ومن كتب في النسخ توسعوا في ذلك توسع مع أنه يمكن الاستغناء عن كثير مما ذكروا، حتى قال بعضهم: إنه ليس في القرآن من المنسوخ إلا خمسة مواضع، لا شك أن معرفة الناسخ والمنسوخ من أهم المهمات، إذ به يعرف كيف يعبد الله -سبحانه وتعالى- على مراده -سبحانه وتعالى-، فالذي لا يعرف الناسخ من المنسوخ قد يعمل بالمنسوخ مع وجود الناسخ، علما بأن السلف يتوسعون في معنى النسخ، فيدخلون فيه التخصيص والتقييد والنسخ الكلي المعروف في اصطلاح المتأخرين، فيشمل النسخ الجزئي والنسخ الكلي، لكن المتأخرين خصوا النسخ بالرفع الكلي للحكم دون الجزئي.
التأويل في اللغة:
وأما التأويل فهو مأخوذ من الأول وهو الرجوع، قال في القاموس: آل إليه أولا ومآلا رجع، وعنه يعني آل عن الشيء ارتد ونكس، ثم قال: وأول الكلام تأويلا دبره وقدره وفسره، والتأويل عبارة الرؤيا، ونحو هذا الكلام في اللسان، ومنه آل الرجل، آل الرجل المراد بهم أهله، يقال لهم: آل وأهل لماذا؟ لأن الإنسان يرجع إليهم ويعود إليهم، كما قال الشاعر:
أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع
صفحة ٣