في مطلع الحركة الأولى لسيمفونيته الثالثة (إيرويكا)، وهو في الوقت نفسه موضوعها الرئيسي.
والمثل الثاني:
هو الموضوع الرئيسي للحركة الأخيرة في سيمفونيته السادسة (باستورال).
والمثل الثالث:
هو مطلع الحركة الأولى للسيمفونية التاسعة، وهو أيضا موضوعها الرئيسي .
في هذه الأمثلة - وهي كلها ألحان رئيسية في موسيقى بيتهوفن، تبنى عليها حركات موسيقية كاملة في سيمفونياته - نستطيع أن نلمس مدى حرية الحركة وجرأتها في اللحن الغربي؛ فالمؤلف لا يستعين بالتلاصق الصوتي الهين على الإطلاق، وإنما يجهد ذهنه في إبداع لحن تتباعد أصواته، وتتكشف أصالته للوهلة الأولى.
وأستطيع أن أقول: إن صفة التلاصق في أصوات اللحن الشرقي هي التي أدت إلى فقدانه عنصرا هاما من عناصر اللغة الموسيقية، وهو التوافق الصوتي؛ ذلك لأن الألحان التي تتحرك أصواتها حركة حرة، بحيث تفصل بعضها عن البعض أكثر من درجة صوتية واحدة، تؤدي إلى كشف علاقات رئيسية بين أصوات معينة في السلم الموسيقي الواحد. ولو تأملنا الأمثلة السابقة لوجدنا لحنين منها مبنيان مباشرة على تركيب توافقي؛ فالمثال الأول، في مطلع السيمفونية الثالثة، قوامه الأصوات الثلاثة للعمود التوافقي المبني على سلم «مي بيمول»، وهي: مي، صول، سي. كذلك المثال الثاني، وهو الموضوع الرئيسي في الحركة الأخيرة للسيمفونية السادسة، يبني على الأصوات المتوافقة في سلم القطعة، أي: سلم فا، وهي: فا - لا - دو، وهي الأصوات التي تتمثل بوضوح داخل الحواجز الثلاثة الأولى في هذا المثال. ومثل هذه الأصوات لو عزفت سويا في كل حالة، لكونت التوافق الثلاثي الأساسي للسلم الذي وضعت به القطعة، والذي هو أساس علم التوافق الصوتي بوجه عام. وأعتقد أن هذه الأمثلة كفيلة بدعم الفرض الذي قدمته ها هنا، وهو أن سير اللحن الشرقي في أصوات متلاصقة، قد أدى إلى إغفال وجود علاقات أساسية بين قرار السلم وبين أصوات معينة في داخله، كالصوت الثالث والخامس مثلا، وهي العلاقات التي تكون أساس التوافق الصوتي عامة، والتي لا تكتشف إلا في لحن يتجاوز نطاق التلاصق. وقد يرى البعض أن العلاقة بين اللحن والتوافق عكسية، أي: إن إدراك وجود التوافق بين أصوات معينة هو الذي يؤدي باللحن أحيانا إلى أن يسير متبعا الأصوات التوافقية. ونحن نسلم ولا شك بأن هذا هو ما حدث في الفترة التي اكتشفت فيها قواعد التوافق الصوتي، غير أن من المسلم به أيضا أن اللحن هو الأسبق، وأن هناك علاقات معينة بين الأصوات المتتابعة في اللحن، هي التي توحي بفكرة وجود توافق بينها إذا ما عزفت في وقت واحد. وعلى أية حال فالعلاقة وثيقة بين المسار الخاص للحن، وبين قواعد التوافق الصوتي، وهذه العلاقة مفقودة تماما في الموسيقى الشرقية؛ نظرا لتلاصق أصوات الألحان فيها، وبالتالي أصبح عنصر التوافق الصوتي بدوره مفقودا في هذه الموسيقى. (2)
وأما عامل التماثل، فلسنا في حاجة إلى إطالة الكلام فيه؛ إذ إنه واضح لا يحتاج إلى شرح مفصل، فمن المعروف أن الفن السليم يستدعي من الابتكار المتصل ما يجعل عملية تذوقه متعة لا تنقطع، ومن هنا كان مبدأ التماثل - إذا تكرر وأصبح جزءا أساسيا من العمل الفني - غير مستحب من الوجهة الجمالية.
ونستطيع أن نضرب مثلا لمبدأ التماثل فيما يلي: فإذا طلب إليك أن تكمل بالرسم شكلا كهذا:
فأيسر السبل عندئذ هي رسم شكل مماثل له على الجانب الآخر، فيصبح الشكل النهائي:
صفحة غير معروفة