باب من التعازي والمواعظ
ثم نعود إن شاء الله إلى الشعر ونصله بمثل هذا والقوة لله جل ذكره.
يروى عن جعفر بن محمد أنه قال: مات أخ لبعض ملوك اليمن فعزاه بعض العرب فقال في تعزيته: اعلم أن الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بد مما هو كائن، ولا سبيل إلى رجوع ما قد فات. وقد أقام معك ما سيذهب عنك أو ستتركه، فما الجزع مما لا بد منه، وما الطمع فيما لا يرجى؟ وما الحيلة فيما سينقل عنك أو تنتقل عنه؟ قد مضت لنا أصول نحن فروعها، فما بقاء الفروع بعد أصله. وأحق الأشياء عند المصائب الصبر. وأهل هذه الدنيا سفر لا يحطون الركاب إلا في غيرها. فما أحسن الشكر عند النعم، والتسليم عند الغير. فاعتبر بمن قد رأيت من أهل الجزع، هل رد أحد منهم إلى شيء من درك. واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف منها. وإنما ابتلاك المنعم وأخذ منك المعطي، وما ترك أكثر. فإن نسيت الصبر فلا تغفل عن الشكر، وكلًا فلا تدع. وما أصغر المصيبة اليوم مع عظم المصيبة في غد، فاستقبل المصيبة بالحسنة تستخلف بها نعمًا فإنما نحن في الدنيا أغراض تنتضل فيها المنايا، ونهب المصائب، مع كل جرعة شرق وفي كل أكلة غصص. لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى ولا يستقبل معمر يومًا من عمره إلا بهدم آخر من أجله، ولا تحدث له زيادة في أكلة إلا بنفاد ما قبلها من رزق، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر. فنحن أعوان الحتوف على أنفسنا، وأنفسنا تسوقنا إلى الفناء، فمن أين نرجو البقاء وهذا الليل والنهار لا يرفعان من شيء شرفًا إلا أشرعا في هدم ما رفعا وتفريق ما جمعا فاطلب الخير وأهله، واعلم أن خيرًا من الخير معطيه، وشرًا من الشر فاعله. والسلام.
1 / 76