كنت أعلم أنك تحبينني وأحس كأنما نظراتك الرقيقة تضمني إلى صدرك، لكنني أيضا كنت أحس في عينيك قوة تصلين بها إلى أعماق نفسي من خلال جلدي ولحمي، وكأنما نظراتك اللامعة تجردني حتى من ملابسي الداخلية وتنظر إلي وأنا عار! وأحسست أنني أخجل من منظر جسمي أمامك وخصوصا ساقاي الرفيعتين!
هل تذكرين يا حبيبتي حينما التقينا أول مرة وقدم كلا منا إلى الآخر زميلي فريد، ووقفنا نتكلم أكثر من ساعة تحت ظل شجرة الكافور بجوار محطة الأتوبيس؟ رأيت يومها في عينيك عاطفة ضخمة مكبوتة، وتملكني شغف كبير بعد أن تركتك، وتمنيت أن تكون هذه العاطفة كلها لي، وسيطر علي شوق غريب دفعني إلى أن أجرب لحظة سعادة نفسي وهي تتلقى منك كل هذا الحب الكامن في عينيك.
لا تسيئي فهمي يا سعاد، لم أكن إنسانا أنانيا إلى هذا الحد، ولم أقصد أبدا أن أمر معك بتجربة حب ثم تنتهي، أقسم لك أنني إنسان غير ما تتصورين؛ أنا مسلوب القوى، مسكين، في نفسي صدع كبير من حب قديم فشلت فيه. لست - كما قلت - قادرا على نسيان كل شيء، أنا لا أملك هذه القوة التي تستطيع أن تقامر بنفسها على موائد الحب، وتنتقل من مائدة إلى أخرى تخسر وتكسب، وتكسب وتخسر، إنما أنا إنسان ظامئ إلى الحب فقط لم أرتو منه أبدا، إلا معك، وكلما كنت أنظر إلى عينيك أرى فيهما تلك العاطفة الآسرة الحبيسة.
لقد كنت قادرة على إرواء كل ظمئي، وإشباع مختلف رغباتي، دون أن تنقصي شيئا ودون أن تفرغ كأس واحدة من كئوس نفسك، كأن فما واحدا لم يخطف منها جرعة واحدة.
وخجلت من نفسي يا سعاد، أحسست كأني كائن صغير يقف على حافة بحر ليشرب منه، وثرت على نفسي، وعليك، وكنت قاسيا غريبا في قسوتي، لكني لم أتحمل إحساسي القاهر بأنني أضعف منك، ولقد عرفت قبلك عددا كبيرا من النساء، فلم أحس مرة واحدة بهذا الإحساس البغيض القاتل، كانت كل واحدة منهن كأسا واحدة أفرغها في جوفي وأستريح، وحينما يعاودني الظمأ أبحث عن كأس أخرى.
لم أك خائنا، لا تظلميني يا سعادة، ولكن أي منطق وأي عدل يقيدان الظمآن أمام كأس فارغة وبجواره كئوس أخرى مليئة؟
ليتك كنت أقل قوة وأكثر ضعفا فأكون أنا إلى جانبك نصفك الآخر القوي، وتصورت كيف أعيش معك وإحساسي بضعفي يزيد ويتأكد يوما بعد يوم، وكلما تفانيت أنت في حبي ومنحتني مما عندك شعرت أنا بأن زادك أغزر من زادي ونفسك أعمق من نفسي.
كنت أود أن أظلك بجناحي، وأحميك بنفسي وحياتي، وأحس أنك خائفة فأطمئنك، وأنك ضعيفة فأظاهرك وأسندك. كنت أريد أن أحس أنني أنا الذي أعطيك، وأغدق عليك.
لكني كنت غير قادر على منحك أي شيء.
وبدأت أحس بالخوف، بدأت أخاف من نفسي ومنك، وخشيت أن ينقلب إحساسي الخفي بضعفي أمامك إلى حقيقة تحسينها أنت أيضا، وتصورت هذا اليوم، اليوم الذي أنظر فيه إلى عينيك فأكتشف أنك لمست ضعفي، وأحس حنانا جديدا يتدفق منك إلي، ويزيد قلقي كما زاد حنانك؛ لأنني أعرف أن الماء لا يزيد تدفقه إلا إذا فاض وعلا، وأحس بذراعيك الحانيتين وهما تطوقانني وشفتيك على شفتي، وأتوهم أنك تهمسين لي في حنان قوي متدفق: إنني أحبك رغم كل شيء.
صفحة غير معروفة