وصعد الدم إلى وجهها بمجرد أن تذكرت هذا الاسم، وأحست بانقباض شديد، وتمنت لو فقدت ذاكرتها، أو فقدت خيالها، حتى تنسى هذا الاسم.
الدكتور رشيد، الذي كانت له معها قصة حب لم تدم سوى ثلاثة أشهر، ابتدأت بنظرات طويلة منه إليها، فحديث طويل في حجرة العمليات، فحديث قصير في كشك الغيار، ثم نزهة طويلة في عربته الصغيرة في شارع الكورنيش، آه، ثم ...
وصعد الدم مرة أخرى إلى وجهها، لكنه ما لبث أن هرب وترك عليه صفرة بائسة حزينة.
إنها لا تعرف ما الذي دفعها إلى كل ما حدث، كانت تسمع أحاديث زميلاتها الممرضات فيقشعر بدنها، وخصوصا حينما تحكي فاطمة عن علاقتها بالدكتور فتحي، وكيف أنه يحبها ويطلبها كل ليلة في المستشفى ويظل يحدثها مدة طويلة. وكان التمورجي، في وقت معين من كل ليلة، يطرق باب بيت الممرضات ويقول بصوت عال لا يخلو من الضجر والضيق: الست فاطمة، تليفون.
وتقفز فاطمة من على سريرها وهي تطرقع باللبان كعادتها، وتضع على قميص النوم الرخيص مريلتها البيضاء، وتسمع نفيسة صوت حذائها المفكوك وهو يطرقع على درجات السلم في سرعة هوجاء، وبعد ساعة أو أكثر يعود صوت الحذاء المفكوك وهو يرتقي السلم في تثاقل وبطء شديدين، ثم تدخل فاطمة بخدين محمرين وعينين براقتين ، وتلقي جسمها على السرير وهي تتأوه في حنين وميوعة: «يا ختي عليه الدكتور فتحي، تصوري يا نفيسة بيقولي عنده مفاجأة لي بكرة!»
وتستلقي فاطمة على ظهرها وتبدأ تحكي في تراخ وصوت ناعس ما يفعله معها الدكتور فتحي حينما يركن العربة على جانب شارع النيل، ويقترب منها، ثم ...
وتحس نفيسة، وهي تسمع، بقشعريرة عنيفة تسري سريعا في بدنها، وتحس معها إحساسا جديدا بلذة جديدة، وتبيت تحلم أحلاما غريبة منها أنها ترى شبحين في الظلام يتعانقان وتتبين في ملامحهما وجهي الدكتور فتحي وفاطمة، وأحيانا ترى نفسها مع رجل غريب لا تعرف ملامحه.
وكان يدور برأسها سؤال واحد كلما جلست إليها فاطمة، وراحت تحدثها عن حب الدكتور لها، ولكنها كانت تخجل من أن توجه إليها هذا السؤال، حتى انتهزت فرصة استخف فيها الفرح فاطمة، فأخذت تقفز حافية على قدميها ويديها، وقد كادت تطير من السعادة: «شوفي يا نفيسة الدكتور فتحي جاب لي إيه؟»
وتناولت نفيسة هدية الدكتور فتحي، كانت حقيبة لا يقل ثمنها عن جنيهين، ونفيسة لا تحمل حقيبة يد، وتكتفي بكيس النقود النايلون، وأحست نفيسة بالغيظ، إنها لا تحقد على فاطمة ولا يهمها أن تحمل حقيبة يد؛ لأن كيس النقود يكفيها، ولكنها لا تملك الجرأة لتسأل فاطمة السؤال الذي يلح عليها دائما. وأعادت الحقيبة إلى فاطمة وهي تمتدح ذوق الدكتور فتحي، ثم سألتها فجأة: «هو الدكتور فتحي بيحبك يا فاطمة؟»
وأدارت فاطمة رأسها بسرعة إليها ونظرت في عينيها نظرة غريبة بلهاء، ثم أطلقت ضحكة ساخرة متصلة: «أمال بيحبك انتي يا اختي؟!»
صفحة غير معروفة