وأحس بالغيظ منها، أو على الأصح من نفسه، ما هذه المناقشة السخيفة التي تدور بينه وبينها، وهي الآن في بيته بلحمها ودمها؟ كيف يضيع الوقت في كلام كأنه في الأتوبيس!
وصمت قليلا وتغيرت ملامحه وارتسمت عليها ابتسامة عريضة، وقام وهو يتجه إليها قائلا: تعالي افرجك على شقتي.
وقامت معه، ودار بها في أنحاء الشقة، وعند مدخل حجرة النوم توقف قليلا وهو ينظر في عينيها: «ودي أودة نومي.»
ودخلت أمامه بجرأة بلا ارتباك، ونظرت بعينين ثابتتين إلى السرير والدولاب والشماعة، ثم تعلقت عيناها بالحائط، كانت صورته داخل إطار أنيق، وأطالت النظر في الصورة، وكان هو يقف وراءها يرى شعرها الأسود الناعم من الخلف، ويرى ظهرها وخصرها، وتملكته رغبة جارفة في أن يلف ذراعيه حول ذلك الخصر النحيل، لكن إحساسا غريبا جعله يدلي ذراعيه إلى جانبيه في تأدب وتعفف، وسمعها تقول: «الصورة حلوة بس ناقصة حاجة.»
وسألها بلهجة متأدبة: «ناقصة إيه؟»
قالت: «النظرة الطبيعية بتاعتك.»
ولم يدر لماذا تغير شكل عينيها وهي تنظر إليه، واختفت منها النظرة القوية المتحدية، وأحس كأنما شحن جسمه فجأة بسخونة لاسعة، وسمع دقات قلبه، وأنفاسه تتلاحق، ورأى ذراعيه غير الواعيتين تتحركان ناحية خصرها وجذبها إليه، ومال بشفتيه عليها وهو يضغط على كلمات خافتة غير مسموعة، ولم تصل شفتيه إلى شيء، وأفلتت منه وخرجت إلى الصالة.
وخرج وراءها، وجلسا متقابلين كل منهما مطرق كأنه يفكر، وأخيرا رفعت إليه نظرة جادة وقالت بلهجتها القوية: «أنا كنت عارفة إنت عاوزني آجي ليه!»
وتظاهر بالدهشة: «ليه؟»
وتأججت عيناها ببريق جديد وقالت: «أنا كنت متأكدة إنك بتكدب علي، وانت بتقول عندي حاجات لازم أفرجها لك، لكن جيت عشان أفهمك.» - يا ترى «فهمتيني»؟
صفحة غير معروفة