276

التبيين عن مذاهب النحويين

محقق

د. عبد الرحمن العثيمين

الناشر

دار الغرب الإسلامي

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٦هـ - ١٩٨٦م

تصانيف

أحدُهما: أنَّكم جَوَّزتُمْ وقوعَ الماضِي مع «قَدْ» حالًا وبـ «قَدْ» لا يَصيرُ هَيْئَةً في الحالِ.
والثَّاني: أنَّكم أَجزتُمْ وقوعَ المُسْتَقْبَلِ حالًا، والمُسْتَقْبَلُ معدومٌ في الحالِ، كما أنَّ الماضي كذلِكَ.
فالجواب: أمَّا «قد» فإِنَّها تقربُ الماضي من الحالِ، والقَريبُ من الشَّيءِ مجاورٌ له، والمجاوَرُ يُعطي حكم المجاوِرُ، وهذا مشهورٌ كثيرٌ في أبوابِ النَّحو، فإذا تجرَّد عن «قد» لفظًا أو تقديرًا تمحَّض بعيدًا منقطعًا فيبعد أن يُجري مُجرى الحالِ، ويدلُّ عليه ما ذكر في الفَرق بين «لَم»، و«لَمّا» وذلك أنَّك إذا قلت: كنتُ عندَ زيدٍ ولم يَركب، لم يَجز أن تقتصرَ على «لَم» ولو قُلت و«لمَّا» لجازَ أن تَقْتَصِرَ عليها، ولا سَبَبَ لذلك إلاَّ القُربَ الذي ذَكرنا وذلِكَ أن قولَكَ: خَرَجْتُ من عندِ زيدٍ ولم يَرْكب، أي لم يَتَهَيَّأ للرُّكوبِ، وإذا قلتَ: «ولمَّا» أيْ: وَقَدْ تَهَيَّأ للرُّكوبِ ولم يَرْكَبْ، والتَّهَيُّؤُ للشَّيءِ تَقَرُّبٌ من فعله.
وأمَّا وقوعُ المُستقبلِ حالًا وإن كان معدومًا في الحالِ ولكن المستقبل مارٌّ إلى الوجودِ منتظرٌ الوقوع، فكان لقربِ وقوعِهِ كالواقعِ في الحالِ، يدلُّ على ذلِكَ أنَّك توقِعُ اسمَ الفاعلِ مَوقَع الفعلِ المُضارعِ حتَّى تَعْطِفَ عليه المضارعَ كقولِهم: الطَّائِرُ الذُّباب فَيَغْضَبُ زيدٌ. فعطف «يغضبُ» على «الطائرِ» لما كان أَصله «يَطيرُ»، وليس كذلِك الماضي؛ إذ لا يُنتظر عودُ عَينه.
وأمَّا الكوفيون فاحتجُّوا بالسَّماع والقِياس.

1 / 387