250

التبصرة

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

مُوسَى: اللَّهُمَّ كَمَا سَمِعْتَ دُعَاءَهُ عَلَيَّ فَاسْمَعْ دُعَائِيَ عَلَيْهِ فَدَعَا، اللَّهَ أَنْ يَنْزِعَ مِنْهُ الاسْمَ الأَعْظَمَ، فَنُزِعَ مِنْهُ وَانْدَلَعَ لِسَانُهُ فَوَقَعَ عَلَى صَدْرِهِ. فَقَالَ لِقَوْمِهِ: قَدْ ذَهَبَتْ مِنِّي الآنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلا الْمَكْرُ وَالْحِيلَةُ، جَمِّلُوا النِّسَاءَ وَأَعْطُوهُنَّ السِّلَعَ
وَأَرْسِلُوهُنَّ فِي الْعَسْكَرِ يَبِعْنَهَا، وَمُرُوهُنَّ أَنْ لا تَمْنَعَ امْرَأَةً نَفْسَهَا مِمَّنْ أَرَادَهَا، فَإِنَّهُ إِنْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ كُفِيتُمُوهُمْ! فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَوَقَعَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى امْرَأَةٍ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّاعُونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَئِذٍ، فَهَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ!
وَرَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ بَلْعَامَ قَالَ لِقَوْمِهِ: لا تَرْهَبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنَّكُمْ إِذَا خَرَجْتُمْ لِقِتَالِهِمْ دَعَوْتُ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ رَغَّبَهُ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: خَوَّفَهُ مَلِكُهُمْ فَنَحَتَ لَهُ خَشَبَةً لِيَصْلِبَهُ عليها، فدعا عليهم.
وقوله: ﴿فانسلخ منها﴾ أَيْ خَرَجَ مِنَ الْعِلْمِ بِهَا ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ أي أدركه ﴿فكان من الغاوين﴾ يَعْنِي الضَّالِّينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بها﴾ فِي هَاءِ الْكِنَايَةِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَعُودُ إِلَى الإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ. قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَالثَّانِي: إِلَى الْكُفْرِ بِالآيَاتِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَا عَنْهُ الْكُفْرَ بِآيَاتِنَا. رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ. ﴿وَلَكِنَّهُ أخلد إلى الأرض﴾ أَيْ رَكِنَ إِلَى الدُّنْيَا وَسَكَنَ ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ أَيِ انْقَادَ إِلَى مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ الْهَوَى.
وَهَذِهِ الآيَةُ مِنْ أَشَدِّ الآيَاتِ عَلَى الْعُلَمَاءِ إِذَا مَالُوا عَنِ الْعِلْمِ إِلَى الْهَوَى.
﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تتركه يلهث﴾ الْمَعْنَى: أَنَّ الْكَافِرَ إِنْ زَجَرْتَهُ لَمْ يَنْزَجِرْ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَهْتَدِ، كَالْكَلْبِ إِنْ طُرِدَ كَانَ لاهِثًا وَإِنْ تُرِكَ كَانَ لاهِثًا.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كُلُّ لاهِثٍ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ إِعْيَاءٍ أَوْ عَطَشٍ إِلا الْكَلْبَ، فَإِنَّهُ يَلْهَثُ فِي حَالِ رَاحَتِهِ وَحَالِ كَلالِهِ؛ وَفِي حَالِ الرِّيِّ وَحَالِ الْعَطَشِ.

1 / 270