206

التبصرة

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

أَبْوَابٍ
فِي الْغَيْضَةِ، فَأَقْبَلَ مُوسَى مِنَ الطَّرِيقِ الأَعْظَمِ الَّذِي يَرَاهُ فِرْعَوْنُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الأُسْدُ صَاحَتْ صِيَاحَ الثَّعَالِبِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ السَّاسَةُ وَفَرَقُوا مِنْ فِرْعَوْنَ، فَأَقْبَلَ مُوسَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَابِ فَقَرَعَهُ بِعَصَاهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ الْبَوَّابُ عَجِبَ مِنْ جُرْأَتِهِ، فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَقَالَ: هَلْ تَدْرِي بَابَ مَنْ أَنْتَ تَضْرِبُ! إِنَّمَا تَضْرِبُ بَابَ سَيِّدِكَ! فَقَالَ: أَنَا وَأَنْتَ وَفِرْعَوْنُ عَبِيدُ اللَّهِ ﷿ وَأَنَا نَاصِرُهُ. فَأَخْبَرَ الْبَوَّابُ الَّذِي يَلِيهِ حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ أَدْنَاهُمْ، وَدُونَهُمْ سَبْعُونَ حَاجِبًا كُلُّ حَاجِبٍ مِنْهُمْ تَحْتَ يَدِهِ مِنَ الْجُنُودِ مَا شَاءَ اللَّهُ ﷿ كَأَعْظَمِ أَمِيرٍ الْيَوْمَ إِمَارَةً، حَتَّى خَلَصَ الْخَبَرُ إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ أَدْخِلُوهُ عَلَيَّ، فَأُدْخِلَ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: أَعْرِفُكَ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وليدا. فَرَدَّدَ مُوسَى ﵇ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ ﷿ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ: خُذُوهُ.
فَبَادَرَهُمْ مُوسَى فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، فَحَمَلَتْ عَلَى النَّاسِ فَانْهَزَمُوا فَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَامَ فِرْعَوْنُ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ وَقَالَ لِمُوسَى: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَجَلا نَنْظُرُ فِيهِ. فَقَالَ مُوسَى: لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أُمِرْتُ بِمُنَاجَزَتِكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَخْرُجْ إِلَيَّ دَخَلْتُ عَلَيْكَ.
فَأَوْحَى الله تعالى إلى موسى: أن اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَجَلا، وَقُلْ لَهُ يَجْعَلُهُ هُوَ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ: اجْعَلْهُ إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَفَعَلَ. وَكَانَ فِرْعَوْنُ لا يَأْتِي الْخَلاءَ إِلا فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً، فَاخْتَلَفَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ مَرَّةً. قَالَ: وَخَرَجَ مُوسَى فَلَمَّا مَرَّ بِالأُسْدِ مَضَغَتْ بِأَذْنَابِهَا وَسَارَتْ مَعَ مُوسَى تُشَيِّعُهُ وَلا تُهِيجُهُ.
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ " ﴿إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا﴾ " فَأَلْقَى الْعَصَا ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ وَهِيَ بَيْضَاءُ لَهَا نُورٌ كَالشَّمْسِ، فَبَعَثَ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ السَّحَرَةَ وَكَانُوا سَبْعِينَ أَلْفًا، وَكَانَ رُءُوسُهُمْ سَابُورَ وَعَازُورَ وَحطحطُ ومصفى، وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا، فَجَمَعُوا حِبَالَهُمْ وعصيهم وتواعدوا يوم الزينة وكان عيدًا لهم فألقوا

1 / 226