المبحث الأول: اليونانيون
لفتت ظاهرة البرودة انتباه العلماء اليونانيين، وشعروا بضرورة دراستها كما شعروا ببرودتها. وقد بحث في مفهوم البرودة كل من أرسطو وأبولونيوس البرجاوي وجالينوس وبرقليس ومفيدروس. وقد كانت لهم آراء متباينة في تحديد مفهوم البرودة. كما عرف كل من اليونانيين والرومان القدماء أن الماء المغلي مسبقا سيبرد بسرعة أكبر من الماء المعتاد غير المغلي، لكن لم يعرفوا لماذا.
4 (1) أرسطو (القرن 4ق.م.)
حاول أرسطو أيضا أن يفسر سبب حدوث التجمد في المادة اعتمادا على نظريته في العناصر الأربعة؛ فالحرارة والبرودة عنصران فاعلان في المادة، والعنصران الآخران اليبوسة والرطوبة منفعلان، لكنه يشير إلى أن زيادة أو نقصان العنصرين الأخيرين تتحكم في مدى تأثير العنصرين الأولين، ويضرب لذلك مثالا هو: عندما نريد شواء مادة ما فإن نسبة الرطوبة فيها تعيق من تأثير الحرارة أو البرودة عليها.
قال: «إن علة انفعال الهيولى هي اثنتان؛ الفاعل المحرك، والفاعل الحاصل عنه في المنفعل الذي هو صورة المنفعل نفسها. ولما كان ها هنا إنما هو الحر أو البرد، وذلك أن البرد يعرض للهيولى إذا فقدت الحر، وكان ظاهرا من أمر هذا الفعل الذي هو الجمود أنه يبس ما، فقد يجب أن نبتدئ بذكر اليبس؛ أعني كيف يكون عن هاتين القوتين الفاعلتين؛ أعني الحرارة والبرودة وما الأشياء التي تلقى هذا العرض منها، فأقول: إن كل جسد منفعل فإنه لا يخلو من غلبة اليابس عليه أو الرطب اللذين هما الأرض والماء. ولما كان هذان الأسطقسان باردين، وجب أن يكون كل كون فيه من القوى الفاعلة القوة الباردة، والباردة تفعل في المكونات، إما بالذات ففسادا، وإما بالعرض فقد تعين على الكون، مثل منعه من الاشتواء وتجميده الجسد الرطب بعد انقضاء الطبخ. والفساد يفعله في المكونات بجهتين أيضا؛ إما بالعرض، وذلك بأن يجمع الحرارة في عمق الشيء حتى يحرقه ويشتت أجزاءه؛ وإما بالذات، وذلك بأن يفسد الحرارة الغريزية التي في الشيء فيعرض من ذلك انتقاص اتصال أجزاء المكون بخروج الرطوبة الطبيعية عن الشيء لمكان زوال الحرارة الطبيعية.»
5
وقد حاول أرسطو أن يفسر أيضا عملية التجفيف التي تحدث بسبب البرودة، كما هو حدوثها عند الحرارة، فالبرودة تحيط بالجسم فتحبس الحرارة الداخلية فيه وتجعله يتخلص من رطوبته، وهو ما يلاحظ في حالة جفاف الثوب في الأيام الباردة: «والأشياء الرطبة تجف إما من البرد وإما من الحر. أما جفوفها من البرد فمن أجل أن البرد يحصر الحرارة في باطن الشيء فيعمل في الرطوبة التي فيه فيجف ذلك الشيء، كما يعرض للثوب الذي يجف من البرد؛ وذلك أن الشيء ذا الرطوبة اليسيرة إذا صعدت البرودة فيه إلى الحرارة الموجودة قويت فجففته. وأيضا فإنه يعرض للحرارة عندما تضاده البرودة فتتحلل من الشيء وتطلب المكان الخاص بها، وعند تحللها من ذلك الشيء تتحلل الرطوبة الموجودة فيه؛ فأما الجفوف الذي يكون من قبل الحر فبالذات، وذلك كالأشياء التي تجف من حرارة النار المحيطة بها.»
6
كتب أرسطو عن أثر مبيمبا
Mpemba’s Effect (أي تجمد الماء الحار أسرع من الماء البارد) قبل أن يصفها كل من جيوفاني مارلياني
صفحة غير معروفة