التبريد في التراث العلمي العربي

سائر بصمه جي ت. 1450 هجري
58

التبريد في التراث العلمي العربي

تصانيف

والنص السابق يخالف فيه ابن سينا أرسطو الذي يعتبر فيه عضو اللمس هو القلب، وأن اللحم وسط للمس مثل الهواء بالنسبة للإبصار. «ومن خواص اللمس أن جميع الجلد الذي يطيف بالبدن حساس باللمس ولم يفرد له جزءا منه؛ وذلك لأن هذا الحس لما كان طليعة تراعي الواردات على البدن التي تعظم مفسدتها إن تمكنت من أي عضو وردت عليه، وجب أن يجعل جميع البدن حساسا باللمس. ولأن الحواس الأخرى قد تتأدى إليها الأشياء من غير مماسة ومن بعيد، فيكفي أن تكون آلتها عضوا واحدا إذا ورد عليه المحسوس الذي يتصل به ضرر عرفت النفس ذلك فاتقته وتنحت بالبدن عن جهته؛ فلو كانت اللامسة بعض الأعضاء لما شعرت النفس إلا بما يماسها وحدها من المفسدات.»

32 (4) ابن ماسويه (القرن 5ه/11م)

يقرر ابن ماسويه (توفي 469ه/1076م) أن طريقة إدراك الحرارة والبرودة يكون عن طريق اللمس الموضعي، والدليل على ذلك أننا قد نلمس أجسامنا.

قال ابن ماسويه: «ومتى قيل إنهما مدركان لمسا فالمراد به ملامسة المحل؛ لأن اللمس لا يقع إلا بين الجسمين، ويكفي في إدراكهما كل محل فيه حياة من دون الحاجة إلى حاسة مخصوصة. وإذا أدركناهما بمحل الحياة فإنما ندركهما في غيره فيفارق الألم الذي يدرك بالحياة في محلها. يبين ذلك أن أحدنا لا يتبين حرارة بعض بدنه إلا بأن يلمسه ببعض آخر. والمحموم إنما يدرك بالحياة حرارته؛ لأنه تجاوره أجزاء فيها نارية فيدرك حرارتها. وقد يجوز أن يقال إنها توجب التفريق فيجد ألما؛ فلهذا يقع له إدراك ذلك.»

33 (5) ابن باجة (القرن 6ه/12م)

يعرف ابن باجة حاسة اللمس بأنها القدرة على معرفة الملموس، ومهما تعددت أشكال الجسم الملموس (حار، بارد، خشن، ناعم ...) فإن وظيفة هذه الحاسة تبقى واحدة بالتعرف إليها. هذه الحاسة تعم كل أنحاء الجسم، وهي موجودة في كل حيوان حي.

قال ابن باجة: «اللمس هو القوة على إدراك الملموس. والملموس قد يظن به أنه أصناف كثيرة، فتكون قوة اللمس أصنافا كثيرة، إلا أنها في موضوع واحد. وهذه الحاسة شائعة في بدن الإنسان، وليس لها عضو مخصوص كما لسائر الحواس، بل لها قابل محدود النوع في كل حيوان، وهو اللحم أو ما يقوم مقامه فيما لا لحم له؛ فإن الجلد ليس فيه الحاس الأول؛ لأنه إذا كشط أحس اللحم ليس بأنقص من إحساس الجلد، بل هو أحرى أن يظن به أنه أشد لمسا. وهذه الحاسة، على ما تقدم، هي التي لا يخلو منها حيوان، وبها يكون الحيوان حيوانا؛ ولذلك متى فقدت هذه الحاسة ارتفع معنى الحيوان عن ذلك الشخص. ولا تخلو [من] أن يكون لها لمس. ولما كانت الملموسات، على ما تبين في الثانية من الكون والفساد، يرجع كلها إلى الحار والبارد والرطب واليابس، وكان هذان التضادان ليس يرجع أحدهما إلى الآخر، فإن كل حس فإنه لمتضادين.»

34

ولتفسير آلية الإحساس باللمس يعتبر ابن باجة أن هذه الحاسة تتصف بالاعتدال، وهي صفة تخص الجلد وحده، وعندما قال جالينوس وغيره إن آلة حاسة اللمس هي اليد فقد كان يقصد جلد اليد الذي يتصل بالأعصاب مع الدماغ.

قال ابن باجة: إن «المعتدل هو بوجه ما ولا واحد من الطرفين بالقوة؛ فلذلك كانت آلة اللمس معتلة من الحار والبارد والرطب واليابس؛ ولذلك لما ظن جالينوس أن اليد هي آلة اللمس حكم بأن جلدة اليد هي المعتدلة بين الأطراف. فنقل ما للجسم الذي فيه القوة اللامسة إلى بعض آلات اللمس، وهذا الجسم الحار الغريزي. ولما لم يكن فيه الاعتدال لذلك وصلته الأجسام التي يسميها جالينوس عصبا؛ لأنها تأتي بالبرودة النفسانية من الدماغ؛ ولذلك فأي عضو لم يتصل به سيل من الدماغ لم يكن فيه لمس؛ ولذلك لا يلمس الكبد ولا الكلى ولا العروق الضوارب وهي مملوءة من الروح الغريزي.»

صفحة غير معروفة