أسماء الممثلين
1 - يمثل الملعب غابة
2 - يمثل الملعب غرفة في بيت جيرونت
3 - يمثل الملعب مكانا مجاورا لمنزل جيرونت
أسماء الممثلين
1 - يمثل الملعب غابة
2 - يمثل الملعب غرفة في بيت جيرونت
3 - يمثل الملعب مكانا مجاورا لمنزل جيرونت
الطبيب على الرغم منه
الطبيب على الرغم منه
تأليف
موليير
ترجمة
إلياس أبو شبكة
أسماء الممثلين
جيرونت:
والد لوسند.
لوسند:
ابنة جيرونت.
لياندر:
عشيق لوسند.
سغاناريل:
زوج مرتين.
مرتين:
زوجة سغاناريل.
السيد روبير:
جار سغاناريل.
فالير:
خادم جيرونت.
لوكاس:
زوج جاكلين.
جاكلين:
مرضع عند جيرونت وزوجة لوكاس.
تيبو:
والد برين - فلاح.
برين:
فلاح. (يجري المشهد في الحقل.)
الفصل الأول
يمثل الملعب غابة
المشهد الأول
سغاناريل - مرتين
سغاناريل :
قلت لك لا أريد أن أفعل شيئا، وإن الحق في الكلام هو لي وحدي، فأنا السيد في هذا المكان.
مرتين :
وأنا أقول لك إني أريد أن تعيش على هوى نفسي، وإني لم أتزوجك لأتحمل ترهاتك.
سغاناريل :
أوه! إنه لمن التعب الشديد أن يكون للرجل زوجة! ولقد صدق أريسطو حين قال: إن المرأة شر من الشيطان.
مرتين :
إنك رجل حاذق في استشهادك بأريسطو!
سغاناريل :
نعم؛ حاذق! فأين تجدين رجلا حطابا يجيد مثلي تعليل المسائل، وقد صرف ست سنوات في خدمة طبيب عظيم؟!
مرتين :
أخذ الطاعون المجانين!
سغاناريل :
أخذ الطاعون المعتوهات!
مرتين :
ملعون النهار والساعة اللذان قلت فيهما: نعم.
سغاناريل :
ملعون هذا المنقار الأعكف في وجه كاتب العدل الذي جعلني أوقع إمضائي على خرابي!
مرتين :
صحيح، يحق لك أن تأسف على ما فعلت، ولكن أتستطيع أن تبقى دقيقة من غير أن تشكر السماء التي وهبتك يدي؟! وهل تستحق أن تتزوج امرأة مثلي، أنت؟!
سغاناريل :
الحق يقال؛ إنك شرفتني كثيرا، وإن العدل يقضي بأن أحمد ليلة زواجنا الأولى! أولى بك أن لا تدعيني أتكلم على هذا؛ لئلا أفضح أشياء كثيرة ...
مرتين :
ماذا؟! ماذا تفضح؟
سغاناريل :
هس! لندع هذا الباب، يكفي أننا نعلم ما نعلم وأنك كنت سعيدة بوقوعك على شخص مثلي.
مرتين :
ماذا تقصد بهذه السعادة؟! أبالوقوع على شخص مثلك يمرضني، على خائن يأكل كل ما عندي ...!
سغاناريل :
كذبت، بل أشرب جزءا منه.
مرتين :
يبيع كل ما في البيت قطعة قطعة.
سغاناريل :
هذا يسمى الحياة من نتاج البيت.
مرتين :
وقد نزع عني حتى سريري!
سغاناريل :
أجل! فستنهضين أبكر من العادة.
مرتين :
على رجل مثلك لم يترك متعة في البيت ...!
سغاناريل :
أجل! فلن تتعبي من الآن فصاعدا.
مرتين :
على سكير يصرف يومه في اللعب والشرب ...!
سغاناريل :
وماذا تريدين أن أفعل لأطرد عني الضجر؟!
مرتين :
ماذا تريد أنت أن أفعل بأولادي طول هذه المدة؟!
سغاناريل :
افعلي ما تشائين.
مرتين :
على ذراعي أربعة أولاد صغار مساكين ...
سغاناريل :
ضعيهم على الأرض.
مرتين :
يطلبون مني خبزا كل ساعة.
سغاناريل :
أعطيهم الكرباج أو العصا، فأنا عندما أكون شربت وأكلت أريد أن يسكر الجميع في بيتي.
مرتين :
أوتعتقد يا سكير أن هذه الحال تدوم؟!
سغاناريل :
على مهلك يا زوجتي، على مهلك.
مرتين :
وأني سأبقى إلى الأبد أتحمل وقاحتك؟!
سغاناريل :
لا نستسلم للغضب يا امرأتي.
مرتين :
وهل يخيل لك أني لن أجد طريقة أردعك بها عن غيك؟!
سغاناريل :
تعلمين يا زوجتي أن نفسي لا تتحمل أكثر من ذلك، ولا يخفى عنك أن ذراعي شديدة.
مرتين :
أهزأ بكل تهديداتك!
سغاناريل :
يا زوجتي، يا صديقتي الصغيرة، أرى أن جلدك يرعاك حسب عادته.
مرتين :
سترى جيدا أني لا أخافك.
سغاناريل :
يا نصفي العزيز، سأفرك أذنيك!
مرتين :
سكير!
سغاناريل :
سأضربك!
مرتين :
يا لك برميل نبيذ!
سغاناريل :
سأعصرك!
مرتين :
شرير!
سغاناريل :
سأخنقك!
مرتين :
خائن! وقح! خداع! جبان! صعلوك! عفريت! متشرد! سخيف! لص!
سغاناريل :
آه! تريدين من بضاعتي؟! (يأخذ عصا ويضرب زوجته.)
مرتين (صارخة) :
آه! آه! آه! آه!
سغاناريل :
هذه أفضل وسيلة لتهدئة خاطرك.
المشهد الثاني
السيد روبير - سغاناريل - مرتين
روبير :
هولا! هولا! هولا! ما هذا؟! ما هذه الوحشية؟! أخذ الطاعون من يضرب زوجته!
مرتين (لروبير) :
أريد أن يضربني، أنا!
روبير :
آه! أوافق على ذلك كل الموافقة!
مرتين :
أي شأن لك في هذه القضية؟!
روبير :
لقد أخطأت.
مرتين :
وهل هذا من تعلقاتك؟
روبير :
الحق في جانبك .
مرتين :
إنك وقح حقا في محاولتك منع زوج من ضرب زوجته.
روبير :
صدقت، صدقت!
مرتين :
ما شأنك في هذه القضية؟!
روبير :
لا شأن لي فيها.
مرتين :
وهل من حقك أن تحشر أنفك فيها؟!
روبير :
لا، لا!
مرتين :
اهتم بما يعنيك!
روبير :
عدلت عن الكلام.
مرتين :
أنا ألتذ بالضرب.
روبير :
اتفقنا.
مرتين :
وهذا لا يعنيك.
روبير :
صحيح.
مرتين :
ولا أظنك إلا أحمق في تدخلك بما ليس في مصلحتك. (تصفعه.)
روبير (لسغاناريل) :
أستغفرك من كل قلبي يا أخي، اضرب امرأتك واعصرها كما تريد، وإذا شئت أن أساعدك فلن أتأخر.
سغاناريل :
لا، لا أريد ذلك.
روبير :
هذا شيء آخر ...
سغاناريل :
أريد أن أضربها ساعة أريد وأن لا أضربها ساعة لا أريد.
روبير :
طيب!
سغاناريل :
فهي زوجتي لا زوجتك.
روبير :
بدون شك.
سغاناريل :
وليس لك أن تأمر في القضية.
روبير :
اتفقنا.
سغاناريل :
لا حاجة لي بمساعدتك.
روبير :
بطيبة خاطر!
سغاناريل :
ولا أظنك إلا شديد الوقاحة في تدخلك بقضايا غيرك، فاعلم أن شيشرون قال: إنه لا ينبغي أن توضع القشرة بين الشجرة والإصبع. (يضربه ويطرده.)
المشهد الثالث
سغاناريل - مرتين
سغاناريل :
آه! تعالي نضع السلم بيننا، المسيني.
مرتين :
أجل؛ بعد أن ضربتني؟!
سغاناريل :
لا بأس عليك، المسيني.
مرتين :
لا أريد.
سغاناريل : !
مرتين :
لا.
سغاناريل :
يا امرأتي الصغيرة!
مرتين :
أبدا!
سغاناريل :
هيا، قلت لك هيا!
مرتين :
لن أريد.
سغاناريل :
تعالي، تعالي، تعالي!
مرتين :
لا! أريد أن أبقى غاضبة.
سغاناريل :
أف! سخيف ما تريدين، هيا، هيا!
مرتين :
اتركني.
سغاناريل :
قلت لك المسيني.
مرتين :
أسأت التصرف معي كثيرا.
سغاناريل :
اعذريني، اغفري لي، ضعي يدك هنا.
مرتين :
غفرت لك (على حدة)
ولكن ستدفع ثمن عملك.
سغاناريل :
مجنونة! تأبهين لكل هذا؟! أشياء صغيرة كثيرا ما تكون ضرورية في الحب بين زوج وزوجته، فخمس ضربات أو ست عصي تشدد الميل وتقويه بين العشاق، هيا، أنا ذاهب إلى الغاب وأعدك بأن أحمل إليك لا أقل من مائة حملة حطب.
المشهد الرابع
مرتين
مرتين :
اذهب، فمهما غيرت وجهي لن أنسى الانتقام، وسأجد ألف وسيلة لمعاقبتك على الضربات التي تلقيتها منك، فالمرأة على ما أعلم لا تعيا عن الانتقام من الزوج، ولكن انتقامها المتداول المعروف لا يشبعني؛ فهو قليل عليك!
المشهد الخامس
فالير - لوكاس - مرتين
لوكاس (لفالير من غير أن يرى مرتين) :
وحقك، لا أعلم ماذا جئنا نعمل هنا، وماذا نلتقط؟!
فالير (للوكاس من غير أن يرى مرتين) :
ماذا تريد يا مرضعي المسكين؟! فينبغي لنا أن نطيع سيدنا، ثم لنا فائدة من وراء صحة سيدتنا؛ فزواجها الذي أوقفه المرض يدر علينا بعض المكافأة، وتعلم أن سيدتنا هذه بالرغم من ميلها إلى لياندر فوالدها يرفض أن يعطيه يدها ويجعله صهره.
مرتين (تظن نفسها وحدها) :
ألا أجد وسيلة للانتقام؟
لوكاس (لفالير) :
ولكن أين نجد الطبيب المطلوب وقد فقد جميع الأطباء فنهم تجاه هذا الداء؟!
فالير (للوكاس) :
إن من يبحث يجد، وقد يجد في الأماكن البسيطة ما لا يجده في سواها.
مرتين (تظن نفسها وحدها) :
نعم؛ يجب أن أنتقم مهما كلفني الأمر، فالضربات التي أطعمني إياها تصرخ في قلبي الانتقام، و... (ترى فالير ولوكاس)
آه! أطلب المعذرة، فلم أبصركما في الأول؛ إذ كنت أبحث لي عن حل لأمر يزعجني.
فالير :
كل يبحث في هذه الحياة عن أمر يهمه، ونحن أيضا نبحث عن أمر نرغب في أن نجده.
مرتين :
أتراني أستطيع أن أساعدكما على إيجاده؟
فالير :
ربما كان ذلك، فنحن نبحث عن رجل حاذق، عن طبيب خاص يستطيع أن يشفي ابنة سيدنا من مرض أفقدها حاسة اللسان، فلقد أفرغ جمهور من الأطباء معارفهم كلها وراء هذا المرض دون أن يحصلوا على نتيجة، على أن في العالم أشخاصا يملكون في غالب الأحيان أسرارا مدهشة وعقاقير خاصة، كثيرا ما يكون مفعولها حسنا، وينجم عنها ما لا ينجم عن جميع العقاقير التي يعرفها الأطباء المشاهير، وهذا ما نبحث عنه.
مرتين (على حدة) :
آه! لتلهمني السماء اختراعا موفقا أنتقم به من ذلك الشقي. (عاليا)
لن تقعا على أفضل مني للوصول إلى ما تبحثان عنه، فلدينا هنا رجل عجائبي، بل أعجب رجل في العالم للأمراض الميئوس منها.
فالير :
بحقك، أين نستطيع أن نجده؟
مرتين :
تجدانه الآن في هذا المكان يلهو بقطع الأخشاب.
لوكاس :
طبيب يقطع الأخشاب!
فالير :
تريدين أن تقولي إنه يلهو بقطف الأعشاب، أليس كذلك؟
مرتين :
لا، لا، فهو رجل غريب الأطوار إلى درجة قصوى، حتى إنكما لا تستطيعان أن تتخذاه كما هو، يرتدي بشكل غريب ويتكلف أحيانا الظهور بمظهر الجاهل، وهو يخفي معارفه ويعمل دائما على الهرب من معالجة المواهب التي أعطته إياها السماء.
فالير :
عجيب غريب، لا أعلم لماذا يعتنق جميع عظماء الرجال أهواء خاصة تختلف عن أهواء سائر الناس؟! فهم دائما يمزجون شيئا من الجنون بمعارفهم الواسعة.
مرتين :
أما جنون هذا الرجل فهو أكبر من أي جنون كان، ونراه أحيانا يمد جنونه إلى أبعد مما نتصور، فهو أحيانا لا يعترف بجدارته إلا إذا ضرب ضربا مبرحا، وإني لأقول لكما: إنكما لن تبلغا الغاية ما لم يأخذ كل منكما عصا ويتناوله بها، وهذه الطريقة هي التي نستعملها معه كلما احتجنا إليه.
فالير :
هذا جنون غريب!
مرتين :
صحيح، ولكن يتضح لكما بعد ذلك أنه يعمل عجائب.
فالير :
ما اسمه؟
مرتين :
اسمه سغاناريل، على أنكما ستسران بالتعرف إليه؛ فهو رجل ذو لحية سوداء عريضة ويرتدي لباسا أصفر أزرق.
لوكاس :
لباس أصفر أزرق! فهو إذن طبيب الببغاوات.
فالير :
ولكن أصحيح أنه حاذق في الدرجة التي تقولين؟
مرتين :
كيف؟! إنه رجل عجائبي، فمنذ ستة أشهر يئس الأطباء من امرأة، وما لبثت هذه المرأة أن ماتت وفي حين كان أهلها على وشك أن يدفنوها جيء بهذا الطبيب بالرغم منه، فوضع في فمها - لا أعلم أية قطرة - وإذا بها تنهض من فراشها وتتمشى في الغرفة كأن لم يحدث لها شيء.
لوكاس :
آه!
فالير :
ربما كانت قطرة من ذهب يؤكل ويشرب.
مرتين :
ربما كان ذلك، ومنذ ثلاثة أسابيع سقط ولد في الثانية عشرة من عمره من قمة جرس إلى الأرض، فتحطم رأسه وذراعاه وفخذاه، وما جاء صاحبنا حتى أخذ يفرك جسده بطريقة خاصة به، وإذا بالولد ينهض من فراشه وينطلق في اللعب.
لوكاس :
آه!
فالير :
لا شك أن هذا الرجل طبيب عالمي.
مرتين :
من يشك في ذلك؟
لوكاس :
وحق إبليس، هو الرجل الذي نبحث عنه، لنمض نجيء به.
فالير (لمرتين) :
نشكرك على الخدمة التي أديتها لنا.
مرتين :
ولكن لا تنسيا الملاحظة التي أعطيتكما إياها.
لوكاس :
وحق إبليس! دعينا نفعل، فإذا كان الأمر متوقفا على الضرب المبرح؛ فالنجاح مضمون لنا.
فالير (للوكاس) :
نجحنا بهذه الصدفة، فهي - لعمري - خير الصدف.
المشهد السادس
سغاناريل - فالير - لوكاس
سغاناريل (يغني في الخارج) :
لا، لا، لا ...
فالير :
أسمع أحدا يغني ويقطع أخشابا.
سغاناريل (يدخل مغنيا وفي يده زجاجة ومن غير أن يرى فالير ولوكاس ينشد) :
لا، لا، لا ... وحق نفسي، لقد اشتغلت كثيرا فلأشرب جرعة. (يشرب)
أخشاب وسخة كالشيطان! (يغني):
قنينتي لا تفرغي
وابقي عزاء الشاربين
ما ضر يا قنينتي
لو لم تكوني تفرغين؟!
هيا هيا! لا ينبغي أن نخلق الحسرات والأحزان.
فالير (للوكاس بصوت منخفض) :
هو بعينه.
لوكاس (لفالير بصوت منخفض) :
أظنك لم تخطئ؛ فلقد وقعنا عليه.
فالير :
لنقترب منه.
سغاناريل (معانقا زجاجته) :
آه، يا عفريتتي الصغيرة! كم أحبك يا زجاجتي! (يغني، وإذ يرى فالير ولوكاس يتفحصانه يخفض صوته):
ما ضر يا ... قنينتي
لو لم ... تكوني ... (يرى أنهما يتفحصانه عن قرب)
ماذا يريد هؤلاء الناس؟!
فالير (للوكاس) :
لا شك أنه هو بعينه.
لوكاس (لفالير) :
هو بعينه، كما سمعنا وصفه. (يضع سغاناريل الزجاجة على الأرض، وإذ ينحني فالير ليحييه يخيل إليه أنه يريد أخذها فينقلها إلى جهة أخرى، وينحني لوكاس ليحذو حذو فالير فيتناول سغاناريل الزجاجة عن الأرض ويضعها على بطنه.)
سغاناريل (على حدة) :
أراهما يطيلان النظر إلى وجهي، فماذا تراهما يقصدان؟!
فالير :
سيدي، أليس أنت سغاناريل؟
سغاناريل :
ماذا تعني؟!
فالير :
أسألك أأنت سغاناريل؟
سغاناريل (يلتفت إلى فالير ثم إلى لوكاس) :
نعم ولا، بحسب ما تريدان مني ...
فالير :
لا نريد إلا أن نكرمك التكريم الذي نستطيعه.
سغاناريل :
إذن سغاناريل هو أنا.
فالير :
إن سرورنا برؤيتك لا يوصف، فلقد هدينا إليك لتخدمنا الخدمة التي نحتاج إليها، ونتوسل إليك لتمد إلينا يد المساعدة.
سغاناريل :
إذا كان الأمر متوقفا على عملي الصغير، فأنا مستعد للقيام بالخدمة المطلوبة.
فالير :
شكرا لك يا سيدي، ولكن البس قبعتك؛ فحرارة الشمس شديدة.
لوكاس :
ضع قبعتك على رأسك يا سيدي.
سغاناريل (على حدة) :
هذا قرم منتفخ بالرسميات! (يضع قبعته على رأسه.)
فالير :
لا ينبغي لك يا سيدي أن تستغرب مجيئنا إليك؛ فالحاذقون من الناس يجيء الناس إليهم، ولقد اتصل بنا خبر جدارتك ونبوغك.
سغاناريل :
الحق يقال يا سيدي، إني أول رجل في العالم في جمع حملات الحطب.
فالير :
آه يا سيدي ...!
سغاناريل :
أجمعها بطرق لا يعرفها غيري.
فالير :
لم نجئ إليك للبحث في هذا الموضوع.
سغاناريل :
ولكنني أبيع المائة منها بمائة وعشر صلدات.
فالير :
لا نتكلم عن هذا.
سغاناريل :
وأعدك بأني لن أبيعها بأقل من هذه القيمة.
فالير :
سيدي، نحن نعرف الأمور.
سغاناريل :
إن كنت تعرف الأمور، فاعرف أني هكذا أبيعها.
فالير :
سيدي، إنك تسخر ...
سغاناريل :
لا أسخر ولا أهزأ، بل أقول جادا، فلا أقدر أن أبيعها بأقل من ذلك.
فالير :
أرجوك يا سيدي، لنتكلم بشكل آخر.
سغاناريل :
ربما تجد أرخص من ذلك في مكان آخر، فهناك حملات وحملات، أما الحملات التي أجمعها أنا ...
فالير :
دعنا من هذا الحديث.
سغاناريل :
أقسم لكما أني لا أبيعها بأقل مما قلت، فأنا رجل صادق ولست من هؤلاء المماطلين.
فالير :
أيليق برجل مثلك أن يلهو بمثل هذا الكلام التافه؟! أيليق بعالم، بطبيب عظيم نظيرك، أن يتحجب عن عيون الناس ويدفن المعارف التي في دماغه؟!
سغاناريل (على حدة) :
إنه مجنون.
فالير :
نتوسل إليك يا سيدي أن لا تتحجب معنا كما تتحجب مع الغير.
سغاناريل :
كيف؟
لوكاس :
كل هذا لا يفيدك، فنحن نعرف ما نعرف.
سغاناريل :
ماذا تعرف؟! ماذا تريد أن تقول؟! ومن تظنني؟!
فالير :
نعرف من أنت؛ فأنت طبيب كبير.
سغاناريل :
طبيب أنت وحدك! أنا لست طبيبا ولم أكن طبيبا في حياتي.
فالير (بصوت منخفض) :
هو ذا جنونه يسطو عليه. (عاليا)
لا تحاول يا سيدي أن تنكر علينا معارفك ولا تحوجنا إلى معالجة الشدة.
سغاناريل :
أي شدة؟!
فالير :
شدة تعرفها أنت.
سغاناريل :
افعلا ما تريدان، فلست طبيبا ولا أعرف ماذا تبغيان.
فالير (بصوت منخفض) :
أرى أن نعالج فيه الدواء اللازم. (عاليا)
نطلب منك للمرة الأخيرة أن تعترف لنا بالحقيقة.
لوكاس :
يكفيك محاولة، فاعترف لنا بحقيقتك، وقل لنا إنك طبيب.
سغاناريل (على حدة) :
أختنق!
فالير :
أية فائدة للرجل من نكرانه ما يعرف؟!
لوكاس :
لماذا كل هذه المحاولات؟! وأية فائدة لك منها؟!
سغاناريل :
أقول لكما كلمة تغني عن ألف، وهي أني لست طبيبا.
فالير :
لست طبيبا؟
سغاناريل :
لا.
لوكاس :
لست طبيبا؟
سغاناريل :
قلت لكما لا.
فالير :
إذن؛ فلنبدأ بالعمل. (يتناول كل منهما عصا ويأخذان بضربه.)
سغاناريل :
آه! آه! آه! أنا على ما تريدان.
فالير :
لماذا تحوجنا إلى استعمال هذه الشدة؟!
لوكاس :
أية فائدة لك من الضرب؟!
فالير :
أؤكد لك أني استعملت هذه الشدة على رغم أنفي.
لوكاس :
وأنا أقول لك بكل صراحة: إني تألمت جدا.
سغاناريل :
ولكن قولا لي الحقيقة أيها السيدان، لماذا تريدان أن أكون طبيبا؟! ألكي تضحكا؟!
فالير :
ماذا؟! ألم تسلم بعد، وتحاول أن تدافع عن نفسك؟!
سغاناريل :
أخذني الشيطان إن كنت طبيبا!
لوكاس :
أليس حقيقيا أنك طبيب؟!
سغاناريل :
خنقني الطاعون إن كنت كاذبا (يعودان إلى ضربه)
آه، آه! إذن، نعم أنا طبيب، أنا طبيب، وصيدلي أيضا، أفضل أن أذعن لكل ما تريدان على أن أتوجع.
فالير :
آه، مشى الحال يا سيدي، إني لمسرور جدا بعودتك إلى عقلك.
لوكاس :
إنك تغرز الفرح في قلبي عندما أسمعك تتكلم بهذه اللهجة.
فالير :
أستغفرك من كل نفسي.
لوكاس :
وأنا أطلب منك أن تعذرنا على الحرية التي استعملناها معك.
سغاناريل (على حدة) :
أتراني مخطئا يا ترى؟! أيمكن أن أكون طبيبا من غير أن أشعر؟!
فالير :
لا نظنك تندم على مصارحتك إيانا بالحقيقة، فسترى أننا نكافئك مكافأة حسنة.
سغاناريل :
ولكن، قولا لي، ألستما مخطئين؟! وهل أنتما متأكدان أني طبيب؟!
لوكاس :
كل التأكيد!
سغاناريل :
طبيب كبير؟!
فالير :
بدون ريب!
سغاناريل :
وحق إبليس لم أكن عارفا ذلك.
فالير :
كيف؟! إنك أحذق طبيب في العالم كله.
سغاناريل :
آه، آه!
لوكاس :
طبيب شفى لا أعلم كم مريضا.
سغاناريل :
وحق إبليس؟!
فالير :
مرضت امرأة منذ ستة أشهر، وخيل لأهلها أنها ماتت فراحوا يهيئون مدفنها، وإذا بك تضع في فمها قطرة من سائل غريب، فتنهض من فراشها وتمشي في الغرفة.
سغاناريل :
طاعون!
لوكاس :
ومنذ ثلاثة أسابيع سقط ولد في الثانية عشرة من عمره من قمة جرس، فتحطم رأسه وذراعاه وفخذاه، وجيء بك فرحت تمسد جسده تمسيدا خاصا بك، وإذا به ينهض من فراشه وينطلق في اللعب!
سغاناريل :
غريب عجيب!
فالير :
وأخيرا يا سيدي، فستكون مسرورا جدا معنا، وستربح ما تريده إذا شئت أن تتبعنا إلى حيث نقودك.
سغاناريل :
سأربح ما أريد؟!
فالير :
نعم.
سغاناريل :
آه، لا شك أني طبيب، كنت نسيت ذلك ولكني تذكرت الآن، ماذا يجب أن أفعل؟! وإلى أين ينبغي أن أذهب؟!
فالير :
سنمضي بك إلى المكان المعين، فهناك بنت فقدت حاسة الكلام.
سغاناريل :
وحق نفسي، لم أرها بعد.
فالير (للوكاس بصوت منخفض) :
يحب الضحك. (لسغاناريل):
هيا بنا يا سيدي.
سغاناريل :
بدون ثياب طبيب؟
فالير :
سنأخذ ثوبا.
سغاناريل (يعطي زجاجته لفالير) :
أمسك هذه أنت، ففي هذه القنينة أدويتي العجيبة، (يلتفت إلى لوكاس ثم يبصق)
امش أمامي أنت بأمر الطبيب.
لوكاس :
وحق إبليس! هذا طبيب يعجبني، ولا شك أنه سينجح لأنه يجيد الهزل.
الفصل الثاني
يمثل الملعب غرفة في بيت جيرونت
المشهد الأول
جيرونت - فالير - لوكاس - جاكلين
فالير :
نعم يا سيدي، أظن أنك ستكون مسرورا فقد جئنا إليك بأكبر طبيب في العالم.
لوكاس :
أوه! لا شك أن جميع الأطباء لا يستحقون أن يحلوا ربطة حذائه.
فالير :
لقد عمل في حياته عجائب لا تحصى.
لوكاس :
وشفى قوما من الأموات.
فالير :
وهو غريب الأطوار كما قلت لك، فكثيرا ما ينسى نفسه ويظهر بمظهر رجل آخر.
لوكاس :
نعم؛ إنه يميل إلى الهزل كما قلت.
فالير :
إلا أنه في الحقيقة منتفخ معارف، وفي أغلب الأحيان يتلفظ بكلمات عالية جدا.
لوكاس :
حتى إنك لتحسبه في بعض الأحيان يقرأ في كتاب.
فالير :
ولقد ذاعت شهرته ذيوعا حمل إليه جميع الناس.
جيرونت :
لم يبق لي صبر على احتمال تحجبه، فجيئوا به إلي.
فالير :
أنا ذاهب لأجيء به.
المشهد الثاني
جيرونت - جاكلين - لوكاس
جاكلين :
لا أظنه ينجح أكثر مما نجح غيره، وعندي أن أفضل طبيب تستطيع أن تجيء به إلى ابنتك هو أن تزوجها من فتى جميل تحبه.
جيرونت :
هلا، يا مرضعي العزيزة، أراك تتدخلين بما لا يعنيك.
لوكاس :
أطبقي فمك يا جاكلين، فلا شأن لك في هذه القضية.
جاكلين :
قلت لكم وأعيد ما قلت: إن جميع هؤلاء الأطباء لا يعرفون من الطب إلا الماء الصافي، وإن ابنتك بحاجة إلى غير العقاقير، وإن الزوج هو طبيب يشفي جميع أمراض البنات.
جيرونت :
ليس الآن وقت التلفظ بهذا الكلام، ولكن عندما كان بودي أن أزوجها ألم تتمرد على مشيئتي؟!
جاكلين :
نعم؛ ولكنك أردت أن تكم فمها برجل لا تحبه، فلماذا لم ترض أن تعطي يدها للياندر الذي يملك قلبها؟! ألم تكن أطاعتك لو رضيت به زوجا لها؟! وإني أؤكد لك أن لياندر يتزوجها الآن في الحالة التي هي فيها إذا رضيت أنت.
جيرونت :
ولكن لياندر هذا لا يوافق، فهو ليس غنيا كذاك.
جاكلين :
ولكن عمه غني جدا وسيعطيه كل ما عنده.
جيرونت :
إن الثروة التي ليست في الجيب أعدها في جملة الأغاني، فليس أصدق من المال الذي في قبضة الرجل، وليس أسخف من المرء الذي يتكل على مال غيره. إن الموت لا يصغي دائما إلى طلبات السادة الوراث وصلواتهم، ويجب على أضراس الذين يتكلون على أمواتهم أن تكون طويلة.
جاكلين :
أما أنا، فقد سمعت أن الحب في الزواج يغني عن الثروة، وأن الآباء والأمهات تعودوا أن يطرحوا هذا السؤال المشئوم: ماذا يحوي؟ وماذا تملك؟ واتصل بي أيضا أن العم بطرس زوج بنته سيمونيت من توماس الضخم؛ لأن توماس هذا كان يملك قطعة كرم أكثر مما كان يملك روبين الشاب الذي كانت سيمونيت تحبه. أما أنا فأفضل أن أكم فم بنتي بزوج تحبه على أن أزوجها من رجل لا تحبه وإن يكن يملك مال الأرض.
جيرونت :
اخرسي أيتها المرضع، أطبقي فمك! لا تحتدي كثيرا لئلا تجففي حليبك.
لوكاس (ضاربا على كتف جيرونت لدى كل عبارة يقولها) :
اخرسي! إنك وقحة جدا! فسيدي في غنى عن خطاباتك، وهو أدرى منك بصالح نفسه، اهتمي بحليب الولد ولا تتدخلي فيما لا يعنيك أمره، فسيدي هو والد ابنته، وهو أعقل من أن يجهل ما يفيد بنته.
جيرونت :
مهلا، مهلا، بهوادة.
لوكاس (يستمر في الضرب على كتف جيرونت) :
أريد أن أذلها قليلا وأن أعلمها كيف تحترمك.
جيرونت :
طيب، ولكن هذه الحركات ليست ضرورية.
المشهد الثالث
فالير - سغاناريل - جيرونت - لوكاس - جاكلين
فالير :
استعد يا سيدي، فطبيبنا داخل.
جيرونت (لسانغاريل) :
سيدي، إني شديد الغبطة برؤيتي إياك في بيتي، فنحن بحاجة قصوى إليك.
سغاناريل (بلباس طبيب وعلى رأسه قبعة مستطيلة) :
قال بقراط: إن الضرورة تقضي بأن لا ننزع القبعة عن رأسينا!
جيرونت :
بقراط قال ذلك؟!
سغاناريل :
نعم.
جيرونت :
في أي باب؟!
سغاناريل :
في باب ... البرانيط!
جيرونت :
بما أن بقراط قال ذلك؛ فينبغي أن نفعل بحسب قوله!
سغاناريل :
عندما تعلمت تلك الأشياء الجميلة يا سيدي الطبيب ...
جيرونت :
قل لي بحقك إلى من توجه كلامك؟!
سغاناريل :
إليك!
جيرونت :
ولكني لست طبيبا!
سغاناريل :
لست طبيبا؟!
جيرونت :
لا، وحقك.
سغاناريل :
صحيح؟!
جيرونت :
صحيح جدا (يأخذ سغاناريل عصا ويضرب جيرونت)
آه، آه، آه!
سغاناريل :
صرت طبيبا الآن، فأنا لم أتعلم غير هذه الأمثولات.
جيرونت (لفالير) :
ما هذا الشيطان جئتني به؟!
فالير :
سبق لي أن قلت لك: إنه طبيب مهرج هزلي!
جيرونت :
طيب، ولكن سأقذف به هو وهزلياته.
لوكاس :
لا تعبأ بذلك يا سيدي، فهو لأجل الضحك.
جيرونت :
ولكن هذا الضحك لا يعجبني.
سغاناريل :
أستغفرك يا سيدي على الحرية التي استعملتها معك.
جيرونت :
أنا خادمك يا سيدي.
سغاناريل :
إني مستاء جدا ...
جيرونت :
لا بأس.
سغاناريل :
من ضربات العصا ...
جيرونت :
لم يحدث شيء مكدر.
سغاناريل :
التي تشرفت بإطعامك إياها.
جيرونت :
لندع هذا الحديث، سيدي ، لدي بنت أصيبت بداء غريب.
سغاناريل :
إني مسرور يا سيدي بأن ابنتك في حاجة إلي، وإني لأتمنى من كل قلبي أن تحتاج إلي أنت وعيلتك كلها؛ لأظهر لك شدة رغبتي في خدمتك.
جيرونت :
أنا مدين لك بهذه الإحساسات.
سغاناريل :
تأكد أني أكلمك من كل قلبي.
جيرونت :
إنك توليني شرفا عظيما.
سغاناريل :
ما اسم ابنتك؟
جيرونت :
اسمها لوسند.
سغاناريل :
لوسند! آه، يا له اسما موافقا للطب والتطبيب!
جيرونت :
أنا ذاهب لأرى ماذا نفعل الآن.
سغاناريل :
من هذه المرأة التي هناك؟
جيرونت :
هي مرضع أحد أولادي الصغار.
المشهد الرابع
سغاناريل - جاكلين - لوكاس
سغاناريل (على حدة) :
إنها لقطعة جميلة. (عاليا)
آه! أيتها المرضع، يا مرضعي الجذابة، إن طبي هو خادم رضاعك المطيع، وإني لأتمنى أن أكون طفلا محظوظا على مراضعك (يضع يده على صدرها)
جميع عقاقيري ومعارفي هي في خدمتك، و...
لوكاس :
المعذرة يا سيدي الطبيب، اترك امرأتي ... أرجوك.
سغاناريل :
ماذا؟! أهي امرأتك؟!
لوكاس :
أجل.
سغاناريل :
آه! لم أكن أعلم ذلك، وإني لشديد الغبطة بحب كل منكما للآخر. (يتظاهر بمعانقة لوكاس فيعانق المرضع.)
لوكاس (يقف بين سغاناريل وزوجته) :
بهوادة، بهوادة.
سغاناريل :
أؤكد لك أني مسرور بكما جميعا، وها أنا أهنئها بزوج مثلك، وأهنئك أنت بزوجة جميلة عاقلة مثلها. (يتظاهر أيضا بمعانقة لوكاس الذي فتح له ذراعيه، فيمر من بينهما ويعانق المرضع.)
لوكاس (حائلا دونه) :
وحق إبليس يكفيك حمدا وشكرا ... أتوسل إليك.
سغاناريل :
ألا تريد أن أفرح معك باتحاد كهذا؟!
لوكاس :
معي أنا قدر ما تشاء، ولكن مع زوجتي ...!
سغاناريل :
إني أشاطر كلا منكما سعادته، ولئن كنت أعانقك لأظهر لك فرحي فإني أعانقها لأظهره لها أيضا (يعيد الكرة) .
لوكاس (يحول دونه للمرة الثالثة) :
آه! تماديت كثيرا يا حضرة الطبيب.
المشهد الخامس
جيرونت - سغاناريل - لوكاس - جاكلين
جيرونت :
سيدي الطبيب، ستحضر ابنتي بعد هنيهة.
سغاناريل :
إني منتظرها يا سيدي مع كل الطب.
جيرونت :
أين هو الطب؟!
سغاناريل (واضعا يده على جبينه) :
هو هنا!
جيرونت :
حسن جدا.
سغاناريل :
ولكن بما أني أهتم بعيلتك كلها، فيجب أن أختبر حليب مرضعك وأزور ثدييها. (يقترب من جاكلين.)
لوكاس (يأخذه من كتفه ويقذف به فيدور على نفسه) :
يا للوقاحة! أليس لك عمل غير هذا؟!
سغاناريل :
من واجبات الطبيب أن يختبر حليب المرضع.
لوكاس :
أتوسل إليك!
سغاناريل :
أتجسر على اعتراض الطبيب أنت؟!
لوكاس :
اهزأ بكل هذا، أنا ...!
سغاناريل (ناظرا إليه خلسة) :
سأرشقك بالحمى.
جاكلين (تأخذ لوكاس من كتفه وتقذف به فيدور على نفسه) :
انصرف من هنا أنت، ألست قادرة أن أدافع عن نفسي إذا اقتضى الأمر؟!
لوكاس :
لا أريد أن يختبر حليبك.
سغاناريل :
أف لمن يغار على زوجته!
المشهد السادس
لوسند - جيرونت - سغاناريل - فالير - لوكاس - جاكلين
جيرونت :
هذه ابنتي.
سغاناريل :
أهي المريضة؟
جيرونت :
نعم، وليس لي غيرها ... فإذا ماتت يحل بي جميع ما في العالم من الحزن.
سغاناريل :
يجب أن تتقي الموت؛ إذ لا ينبغي أن تموت بدون إشارة الطبيب.
جيرونت :
هيا، هاتوا المقعد.
سغاناريل (جالسا بين جيرونت ولوسند) :
هذا مرض غير مزعج.
جيرونت :
لقد أضحكتها يا سيدي.
سغاناريل :
حسن جدا، عندما يضحك الطبيب المريض تكون إشارة طيبة، أطيب إشارة في العالم. (للوسند):
ما بك؟ ما هو الألم الذي تشعرين به؟
لوسند (تضع يدها على فمها، ثم على رأسها، فعلى ذقنها) :
هان، هي، هو، هان.
سغاناريل :
ماذا تقولين؟
لوسند (تستمر) :
هان، هي، هون، هون، هي، هون.
سغاناريل :
ماذا؟!
لوسند :
هان، هي، هون.
سغاناريل :
هان، هي، هون، هان، ها ... لا أفهم شيئا! ما هذه اللغة الشيطانية؟!
جيرونت :
هذا هو مرضها يا سيدي، فلقد أصبحت خرساء من غير أن نعرف حتى الآن سبب خرسها، وهذا الحادث الفجائي أخر زواجها.
سغاناريل :
أخر زواجها؟! ولماذا؟!
جيرونت :
لأن الذي ستتخذه زوجا ينتظر شفاءها قبل العقد.
سغاناريل :
من يكون هذا الأبله الذي يأبى أن تكون زوجته خرساء؟! وحق إبليس لو أصيبت زوجتي بهذا المرض لما حركت ساكنا لأشفيها.
جيرونت :
وأخيرا يا سيدي نرجو إليك أن تستعمل جميع الوسائل لتشفيها من آلامها.
سغاناريل :
آه! لا تقنط ولا تحزن، وقل لي أيؤلمها كثيرا هذا المرض؟
جيرونت :
نعم؛ يا سيدي.
سغاناريل :
لحسن الحظ! وهل تشعر بآلام مبرحة؟
جيرونت :
مبرحة جدا.
سغاناريل :
حسن حسن! وهل تخرج إلى حيث تعلم؟
جيرونت :
نعم.
سغاناريل :
بحسب الأصول؟
جيرونت :
لم أفهم ماذا تقصد.
سغاناريل :
هل المادة التي تخرجها محمودة؟
جيرونت :
لا أفهم هذه الأشياء يا سيدي.
سغاناريل (للوسند) :
أعطيني ذراعك. (لجيرونت):
هذا نبض يقول: إن ابنتك خرساء.
جيرونت :
نعم يا سيدي الطبيب، هذا هو مرضها! لقد اكتشفته مرة واحدة.
سغاناريل :
آه! آه!
جاكلين :
كيف حزر مرضها؟!
سغاناريل :
نحن جماعة الأطباء الكبار نعرف الأشياء للوهلة الأولى، ولو كان مكاني أحد الجهلاء لانزعج جدا ولقال أشياء مبهمة، أما أنا فأصيب المرمى دفعة واحدة وأقول لك: إن ابنتك خرساء.
جيرونت :
طيب، ولكن أريد أن أعلم كيف خرست.
سغاناريل :
ليس أسهل من معرفة ذلك؛ فالخرس يأتي عن فقدان حاسة الكلام!
جيرونت :
حسنا، ولكن ما هو السبب الذي من أجله فقدت الكلام؟
سغاناريل :
يقول جميع المؤلفين العظام: إن فقدان الكلام يسببه امتناع اللسان عن الحركة!
جيرونت :
ولكن ما رأيك الخاص في امتناع اللسان عن الحركة؟
سغاناريل :
قال أريسطو أشياء جميلة في هذا الموضوع.
جيرونت :
أصدق ذلك.
سغاناريل :
آه، إنه لرجل كبير.
جيرونت :
بدون ريب.
سغاناريل :
رجل كبير جدا ... (يرفع ذراعه)
كان أكبر مني بهذا المقدار، لنعد إلى الموضوع، قلت إن امتناع اللسان عن الحركة قد سببته أعراض نسميها نحن العلماء أعراضا عرضية؛ يعني ... أعراضا عرضية ناتجة عن الأبخرة المرتفعة في جهات الأمراض التي ... أتعرف اللغة اللاتينية؟!
جيرونت :
لا، أبدا.
سغاناريل (ينهض فجأة) :
ألا تفهم اللاتيني؟!
جيرونت :
لا!
سغاناريل (بحماسة) :
كابريسياس، أرسي تورام، كتلاموس، سنكالاريتر، نوميناتيفوهكموز، عروس، بونوس، بونا، بونوم، ايسا كتوس، استني أوراثيولاتيناس؟! إيتيام، نعم، كاري، لماذا؟ كياسبستنتيفو، كيا أدجكتيفوم، كونكوردا إن جنيري نوميرم أت كاسوس.
جيرونت :
آه، يا ليتني تعلمت!
جاكلين :
رجل حاذق جدا!
لوكاس :
أجل، هو حاذق إلى درجة أني لا أفهمه!
سغاناريل :
إذن؛ فهذه الأبخرة التي ذكرتها لكم عندما تمر بالجهة اليسرى حيث الكبد، وبالجهة اليمنى حيث القلب! تكون الرئة التي نسميها باللاتيني أرميان في اتصال بالدماغ الذي نسميه باليوناني ناسموس، وإذ يكون المدعو بخارا ... انتبهوا إلى ما أقول، أرجوكم ... وإذ يكون المدعو بخارا ... أصغوا جيدا إلى ما أقول.
جيرونت :
نعم.
سغاناريل :
وإذ يكون المدعو بخارا في حركة ... أرجوكم انتبهوا.
جيرونت :
كلي انتباه.
سغاناريل :
في حركة تسببها الأعراض العرضية أو سابنداس، نيكاييس نيكر، بوتارينوم، كيبسا ميلوس، هذا هو السبب الذي من أجله صارت ابنتك خرساء.
جاكلين :
آه! هذا طبيب ماهر!
لوكاس :
لو كان لساني في سرعة لسانه!
جيرونت :
لا شك أنه تحليل مصيب جدا، ولكن أمرا أزعجني هو مكان الكبد والقلب، فيظهر أنك تضعهما في غير مكانيهما؛ فالقلب هو في جهة الشمال والكبد في جهة اليمين.
سغاناريل :
نعم؛ كان ذلك في الماضي، على أنا غيرنا كل ذلك؛ فالطب في هذه الأيام اتخذ مجرى جديدا.
جيرونت :
لم أكن أعرف ذلك، فأطلب منك المعذرة على جهلي!
سغاناريل :
لا بأس، فلا يطلب منك أن تكون حاذقا مثلنا!
جيرونت :
صحيح، ولكن ماذا تصف لهذا المرض؟
سغاناريل :
ماذا أصف له؟!
جيرونت :
نعم.
سغاناريل :
رأيي هو أن تمدد ابنتك على سريرها، وأن تعطى كمية من الخبز المغمس بالنبيذ.
جيرونت :
لماذا هذا يا سيدي؟!
سغاناريل :
لأن في النبيذ والخبز ممزوجين تآلفا يهب حاسة الكلام، ألم تر أن الببغاء لا تعطى أكلا إلا الخبز والنبيذ؟!
جيرونت :
صحيح! آه، يا للرجل الكبير! هيا كمية من الخبز والنبيذ.
سغاناريل :
وسأعود في المساء لأتفقد حالتها.
المشهد السابع
جيرونت - سغاناريل - جاكلين
سغاناريل (لجاكلين) :
على مهلك، أنت. (لجيرونت):
هذه المرضع يا سيدي بحاجة إلى بعض أدوية بسيطة.
جاكلين :
من؟! أنا؟! إن صحتي أسلم ما في العالم.
سغاناريل :
لسوء الحظ، لسوء الحظ، فسلامة صحتك سيكون لها عاقبة وخيمة، وأي ضرر عليك إذا أعطيتك حقنة صغيرة؟!
جيرونت :
هذه طريقة لا أستطيع أن أعترف بها يا حضرة الطبيب، فلماذا الحقنة إن كانت الصحة سليمة؟!
سغاناريل :
لا فرق، فالعادة الدارجة هي أنه كما يؤخذ الماء احتياطا للظمأ هكذا يؤخذ الدواء احتياطا للمرض.
جاكلين (وهي خارجة) :
أهزأ بكل هذا، ولا أريد أن أجعل جسدي حانوتا للعقاقير .
سغاناريل :
إنك تتمردين على الطب، ولكن سنجعلك تخضعين للعقل.
المشهد الثامن
جيرونت - سغاناريل
سغاناريل :
أسعد الله صباحك.
جيرونت :
أرجوك ... اصبر قليلا.
سغاناريل :
ماذا تريد أن تفعل؟
جيرونت :
أن أعطيك دراهم يا سيدي.
سغاناريل (يبسط يده إلى الوراء بينا يكون جيرونت يفتح كيسه) :
لن آخذ شيئا.
جيرونت :
سيدي.
سغاناريل :
لا، أبدا.
جيرونت :
اصبر قليلا.
سغاناريل :
أبدا مطلقا.
جيرونت :
أرجوك!
سغاناريل :
أنت تهزأ.
جيرونت :
هذا أمر لا يحتمل!
سغاناريل :
لن آتي بحركة.
جيرونت :
سيدي!
سغاناريل :
أنا لا أشتغل لأجل المال.
جيرونت :
أصدق ذلك.
سغاناريل (بعد أن يأخذ الدراهم) :
ألها ثقل هذه الدراهم؟!
جيرونت :
نعم يا سيدي.
سغاناريل :
لست طبيبا نفعيا، أنا!
جيرونت :
أعرف ذلك حق المعرفة.
سغاناريل :
وليس للفائدة سلطة علي.
جيرونت :
لم تخطر هذه الفكرة في بالي. (يخرج.)
سغاناريل (وحده ناظرا إلى الدراهم في يده) :
وحق نفسي لم يذهب تعبي سدى، ولكن بشرط ...
المشهد التاسع
لياندر - سغاناريل
لياندر :
سيدي، أنتظرك منذ أمد بعيد، ولقد جئت الآن أطلب معونتك.
سغاناريل (يجس له نبضه) :
هذا نبض سيئ جدا.
لياندر :
لست مريضا يا سيدي، ولم أجئ إليك لهذه الغاية.
سغاناريل :
إذا لم تكن مريضا؛ فلماذا لا تقول ذلك؟!
لياندر :
اسمع يا سيدي، أطلعك على الأمر بكلمتين: أنا أدعى لياندر عشيق لوسند التي زرتها الآن، وبما أن الدخول عليها صعب علي بسبب كره والدها لي، جئت إليك متوسلا أن تؤدي إلى عشقي خدمة أستطيع معها أن أقول لها كلمتين تتوقف عليهما سعادتي في الحياة.
سغاناريل :
من تظنني يا هذا؟! وكيف تتجاسر أن تستخدمني لأجل غرامك وتنزع مني أهليتي في الطب لمسائل تافهة كهذه؟!
لياندر :
لا ترفع صوتك يا سيدي، ولا تأت بضجيج.
سغاناريل (يدفعه إلى الوراء) :
أريد أن أضج ... إنك وقح!
لياندر :
بهوادة، يا سيدي.
سغاناريل :
أنت ضال.
لياندر :
أتوسل إليك.
سغاناريل :
وسأبرهن لك على أني لست من هؤلاء الناس الذين تعرفهم، وأن من الوقاحة ...
لياندر (ينزع كيسا) :
سيدي ...
سغاناريل :
أن تستعمل ... (يأخذ الكيس)
لا أقصدك بهذا الكلام؛ فأنت فتى شريف الأخلاق أخدمه بطيبة خاطر ! على أن هناك بعض الوقحاء ينظرون إلى جميع الناس نظرة واحدة، وإني أقول لك بصراحة: إن هذا يغضبني جدا.
لياندر :
أطلب منك المعذرة يا سيدي على الحرية التي ...
سغاناريل :
أنت تهزأ، ما هي قضيتك؟
لياندر :
ستعلم يا سيدي أن ذلك المرض الذي جئت لتداويه ليس سوى مرض وهمي، فلقد استشير جميع الأطباء في هذا الداء؛ فقال أحدهم: إنه ناجم من الدماغ، وقال الآخر: عن الكبد، والبعض قال: إنه ناتج عن الأحشاء! أما الحقيقة فهي أن الحب هو السبب الحقيقي، وأن لوسند لم تجد إلا هذه الوسيلة لتتملص من زواج يرغمها عليه والدها ... ولكن أخشى أن يفاجئنا أحد في هذا المكان، فتعال نبتعد وسأطلعك على كل شيء في الطريق.
سغاناريل :
هيا بنا؛ فقد جعلتني أعطف على حبك عطفا تهون عنده جميع عقاقيري، فإما أن تنفلق المريضة وإما أن تصير لك.
الفصل الثالث
يمثل الملعب مكانا مجاورا لمنزل جيرونت
المشهد الأول
لياندر - سغاناريل
لياندر :
أظن أن هيئتي هذه تدل على أني صيدلي، وبما أن والدها لم يرني إلا قليلا، فهذا التغيير في الثياب والقبعة يكفي لأن ينكرني على عينيه.
سغاناريل :
بدون ريب.
لياندر :
وكل ما أتمنى هو أن أتعلم خمس كلمات أو ست كلمات ضخمة، تساعدني على تزيين حديثي وتعيرني طلعة رجل حاذق.
سغاناريل :
هيا، هيا، لا حاجة لك بكل هذا، فالثياب وحدها تكفي، وأنا لا أعرف أكثر منك.
لياندر :
كيف؟
سغاناريل :
أخذني الشيطان إن كنت أفهم شيئا في الطب، أنت رجل طيب ولهذا أريد أن أثق بك وأكشف لك أمري كما تثق بي وتكشف لي أمرك.
لياندر :
ماذا؟! ألست ...؟!
سغاناريل :
قلت لك: لا، فلقد عملوني طبيبا بالرغم مني، ولم أكن قبل ذلك لأحشر نفسي في مصاف العلماء كما هو شأني اليوم؛ فجميع دروسي لم تتجاوز الصف السادس، ولا أعرف لماذا أرادوني على أن أكون طبيبا، إلا أني عندما رأيتهم يلحون علي في ذلك لم أجد بدا من القبول، ولكنك لا تستطيع أن تتصور كيف انتشر الوهم في جميع العقول وخيل إلى الجميع أني رجل حاذق؛ فراح هؤلاء يطلبونني إلى جميع الجهات، وأؤكد لك أنه إذا استمرت الحال على هذا المنوال فلن أرجع عن مهنة الطب؛ إذ هي أفضل المهن على الإطلاق، وبرهاني على ذلك هو أن الطبيب إذا أخطأ أو أصاب فعلى حد سواء، ويقبض أجرته على الشاكلة نفسها، ثم إن العاقبة الوخيمة لا تقع على ظهورنا نحن الأطباء، وهذا ما يساعدنا على تفصيل أقمشتنا بالطريقة التي نريدها خلافا لصانع الأحذية مثلا؛ فهذا العامل إذا عطل قطعة من الجلد يضطر إلى دفع ثمنها من كيسه، أما الطبيب فيستطيع أن يعطل رجلا كاملا من غير أن يكلفه شيئا، فإذا مات المريض فيكون الخطأ عليه هو ولا ندفع ثمنه. وخلاصة القول: إن الناحية الحسنة في هذه المهنة هي أن في الأموات أخلاقا طيبة لا تجدها في غيرهم، ولن تجد في هؤلاء واحدا يشكو من الطبيب الذي قتله!
لياندر :
الحق يقال: إن الأموات كرماء جدا من هذه الناحية.
سغاناريل (يرى قوما قادمين إليه) :
وهذا اثنان قادمان ليستشيراني. (للياندر):
اذهب وانتظرني بالقرب من غرفة عشيقتك.
المشهد الثاني
تيبو - برين - سغاناريل
تيبو :
سيدي جئنا نطلبك، ولدي برين وأنا.
سغاناريل :
ما وراءك؟
تيبو :
إن والدته التي تدعى باريت مريضة منذ ستة أشهر.
سغاناريل (باسطا يده كمن يريد أن يقبض دراهم) :
ماذا تريد أن أعمل لها؟
تيبو :
نرجو منك يا سيدي أن تخترع لها إحدى سخافاتك لتشفيها!
سغاناريل :
يجب أن أعلم أولا بماذا هي مريضة!
تيبو :
هي مريضة بداء الخبث يا مولاي.
سغاناريل :
بداء الخبث؟!
تيبو :
نعم؛ أي أنها مورمة في كل مكان، ويقال إن في جسمها كمية من الأسرار حولت دمها إلى ماء. والحمى تزورها يوما بعد يوم فتحمل إليها تعبا شديدا وأوجاعا في مفاصل الفخذين، وكان في قريتنا صيدلي، ألفظ اسمه بكل احترام، أعطاها لا أعلم كم حكاية كلفتني دزينة ليرات ولم ينتج عنها فائدة، وكان هذا الصيدلي مع احترامي لحضرتك، يريد أن يكم فمها بنوع من العقاقير هو من جنس النبيذ، ولكني أقول لك بصراحة : لم أجرؤ أن أجرعها هذا الدواء خوفا أن يؤديها إلى العالم الثاني، ولا أخفي عنك أني سمعت من يقول إن الأطباء قتلوا بهذا الدواء الذي اخترعوه لا أعلم كم حياة.
سغاناريل (باسطا يده دائما) :
تعال إلى الجوهر يا صديقي، لنبحث في الجوهر.
تيبو :
الجوهر يا سيدي، هو أننا جئنا إليك نسألك ماذا يجب علينا أن نعمل.
سغاناريل :
لا أفهم ماذا تقول.
برين :
سيدي، أمي مريضة وهذه ثلاث ليرات أجرة استشارتك.
سغاناريل :
آه! فهمت الآن، هذا الغلام يتكلم بوضوح ويجيد التفسير، قلت إن أمك مريضة بداء الخبث وإنها مورمة الجسد مع حمى مرفقة بأوجاع في الفخذين؟!
برين :
نعم؛ يا سيدي هكذا تماما!
سغاناريل :
فهمت ماذا تقصد، أما والدك فلا يعرف ماذا يقول، والآن تريد دواء؟!
برين :
نعم، سيدي!
سغاناريل :
دواء لشفائها؟!
برين :
نعم، آه! لقد حزرت.
سغاناريل :
خذ، هذه قطعة جبنة يجب عليك أن تطعمها إياها.
برين :
جبنة يا سيدي؟!
سغاناريل :
أجل؛ هذه جبنة مركبة من الذهب والمرجان والياقوت وغير ذلك من الأشياء الثمينة.
برين :
أنا مدين لك يا سيدي بهذا الفضل.
سغاناريل :
هيا، وإذا ماتت فلا يغرب عنك أن تدفنها دفنا يليق بها.
المشهد الثالث
جاكلين - سغاناريل - لوكاس (في طرف الملعب) (يتبدل المشهد ويمثل غرفة في بيت جيرونت.)
سغاناريل :
هذه هي المرضع الجميلة، آه! يا مرضع قلبي، إني مسرور جدا بلقائك، فرؤيتك هي الدواء الذي يسهل مجرى أحزان نفسي.
جاكلين :
وحقك، يا سيدي الطبيب، إن كلامك هذا خير ما تستطيع أن تفهمني به لأني لا أفهم شيئا من لغتك اللاتينية.
سغاناريل :
امرضي يا مرضعي الجميلة، أتوسل إليك، امرضي وحياة حبك لي فأشفيك برأسي وعيني.
جاكلين :
أنا خادمتك، وأحب أن لا يشفيني أحد.
سغاناريل :
لو تشعرين يا مرضعي الجميلة بالحزن المستولي على نفسي.
جاكلين :
لماذا؟!
سغاناريل :
لأن القدر ابتلاك بزوج ملؤه غيرة وغضب.
جاكلين :
ماذا تريد يا سيدي؟! هذا جزاء ذنوبي، وقد قال المثل: إن المعزى ترعى حيث هي مربوطة.
سغاناريل :
كيف؟! حيوان كهذا! رجل يترصدك دائما ويأبى على أي كان أن يخاطبك!
جاكلين :
واأسفاه! لم تر شيئا بعد، فالذي رأيته ليس سوى نموذج صغير من أخلاقه السيئة.
سغاناريل :
أيستطيع رجل في العالم مهما كانت نفسه خسيسة أن يسيء التصرف مع امرأة مثلك؟! آه! إني أعرف أشخاصا كثيرين ليسوا بعيدين من هنا يعدون نفوسهم سعداء إذا هم قدروا أن يقبلوا أطراف ثدييك! لماذا شاء القدر أن تقع امرأة جميلة مثلك بين أيد كهذه؟! ولماذا شاءت الحكمة أن يستولي عليك حيوان، وحش، تافه، أبله؟! سامحيني يا مرضعي الجميلة إذا أنا تناولت زوجك بهذه اللهجة.
جاكلين :
آه يا سيدي، أعرف جيدا أنه يستحق أكثر من ذلك.
سغاناريل :
أجل، يا مرضعي، إنه يستحقها ويستحق فوق ذلك أن تضعي على رأسه أشياء، عقابا على ظنونه.
جاكلين :
الحق يقال؛ لو لم أكن أهتم به وبصالحه لكان دفع بي لا أعلم إلى أي أمر مريب.
سغاناريل :
وحق نفسي، لا أظنك تخطئين إذا انتقمت مع أحد الناس؛ فهو رجل - كما قلت لك - يستحق كل ذلك، وإذا أسعدني الحظ يا مرضعي الحسناء، أن تختاريني ... (في حين يكون سغاناريل باسطا ذراعيه ليعانق جاكلين يمر لوكاس رأسه تحتهما ويقف حائلا بين الاثنين، عند هذا يلتفت سغاناريل وجاكلين إلى لوكاس ويخرج كل منهما من جهة.)
المشهد الرابع
جيرونت - لوكاس
جيرونت :
هلا لوكاس، ألم تر طبيبنا هنا؟
لوكاس :
أجل، وحق الشياطين جميعا رأيته ورأيت امرأتي أيضا.
جيرونت :
أين تراه يكون؟
لوكاس :
لا أعلم، ولكن أود أن يكون في أبعد طبقات جهنم.
جيرونت :
اذهب وانظر ابنتي ماذا تعمل.
المشهد الخامس
سغاناريل - لياندر - جيرونت
جيرونت :
آه سيدي! كنت أسأل أين أنت.
سغاناريل :
كنت ألهو في أقبيتك بإعطاء مسهل لإحدى الخوابي، كيف حال المريضة؟
جيرونت :
ساءت حالتها منذ أخذت دواءك.
سغاناريل :
حسن جدا، فهذا دليل التقدم إلى الشفاء!
جيرونت :
نعم، ولكن أخشى من هذا التقدم أن يخنقها.
سغاناريل :
لا تزعج نفسك، فلدي عقاقير تهزأ بكل شيء، وإني أنتظر ساعة النزع.
جيرونت (مشيرا إلى لياندر) :
من هذا الذي تصحبه معك؟
سغاناريل (يعمل إشارات بيده تدل على أنه صيدلي) :
هو ...
جيرونت :
ماذا؟
سغاناريل :
الذي ...
جيرونت :
من؟
سغاناريل :
الذي، الذي ...
جيرونت :
فهمت الآن.
سغاناريل :
فابنتك تحتاج إليه.
المشهد السادس
لوسند - جيرونت - لياندر - جاكلين - سغاناريل
جاكلين :
سيدي، هذه ابنتك تريد أن تمشي قليلا.
سغاناريل :
لا بأس، فالمشي يفيدها. (للياندر):
تقدم يا حضرة الصيدلي وجس لها نبضها قليلا، ثم نبحث معا في مرضها، (يأخذ جيرونت إلى ناحية من الملعب ويمر ذراعه على كتفيه ليمنعه من أن يلتفت إلى جهة لياندر ولوسند)
سيدي، لا يزال الأطباء الدكاترة يختلفون على نظريات عديدة، فمنهم من يقول: إن المرأة أقرب شفاء من الرجل ومنهم من يقول خلاف ذلك، أما أنا فأقول بالاثنين، وبرهاني على ذلك هو أن اختلاف المزاج في الجنسين يتوقف على حركة دوران القمر، وبما أن الشمس التي ترسل أشعتها إلى الأرض ...
لوسند (للياندر) :
لا، لن أغير شعوري.
جيرونت :
هذه ابنتي تتكلم! يا للدواء العجيب! يا للطبيب المدهش! سيدي، إني مدين لك بهذا الشفاء العجائبي! ماذا تريد؟ ماذا تطلب بعد هذه الخدمة؟
سغاناريل (يتمشى على الملعب ملوحا بقبعته) :
هذا مرض كلفني جهودا شاقة!
لوسند (لوالدها) :
نعم يا أبي، لقد استعدت الكلام، ولكني استعدته لأقول لك: إني لن أتزوج غير لياندر، وإنه من العبث أن تسعى لتزوجني من هوراس.
جيرونت :
ولكن ...
لوسند :
ما من قوة على الأرض ترجعني عن عزمي.
جيرونت :
ماذا ...؟!
لوسند :
عبثا تحاول أن تقنعني بالبراهين.
جيرونت :
إذن ...
لوسند :
جميع خطاباتك تذهب سدى.
جيرونت :
إني ...
لوسند :
عزمت عزما أكيدا لن أحول عنه.
جيرونت :
ولكن ...
لوسند :
ما من سلطة أبوية تستطيع أن تزوجني بالرغم مني.
جيرونت :
لدي ...
لوسند :
قلت لك لا تحاول.
جيرونت :
إنه ...
لوسند :
لن يستطيع قلبي أن يخضع لهذا الظلم.
جيرونت :
إن ...
لوسند :
وأفضل أن أطرح نفسي في الدير على أن أتزوج رجلا لا أحبه.
جيرونت :
ولكن ...
لوسند (بحدة) :
لا، لا تحاول، لا تسع، لا تضيع الوقت، قلت لك إني عزمت ولن أحول عن عزمي.
جيرونت :
آه! يا للوقاحة! أليس من وسيلة لإقناعك؟! (لسغاناريل)
سيدي، أرجو منك أن تعيدها خرساء.
سغاناريل :
مستحيل يا سيدي، لا أقدر، وكل ما أقدر عليه هو أن أجعلك أطرش إذا شئت.
جيرونت :
أشكرك. (للوسند):
فكري ...
لوسند :
لا، لن تستطيع شيئا.
جيرونت :
ستتزوجين هوراس هذه الليلة!
لوسند :
بل أتزوج الموت!
سغاناريل (لجيرونت) :
يا ألله! اصبر قليلا ودعني أداري هذه القضية، فهذا المرض يملكها من جميع جهاتها ولا يستطيع أن يشفيها منه غيري.
جيرونت :
أيمكنك يا سيدي أن تشفيها من هذا المرض الروحاني؟!
سغاناريل :
أجل؛ دعني أفعل، فلدي عقاقير لكل شيء، ولا أرى صاحبنا الصيدلي إلا مساعدنا على إعطائها هذا الدواء. (للياندر):
كلمة، رأيت بأم عينك أن تعلقها الشديد بلياندر هذا هو مخالف لإرادة والدها، وتعرف جيدا أن الضرورة تقضي بإيجاد دواء مستعجل لهذا المرض الذي قد يستفحل أمره إذا طال. أما أنا فقد اكتشفت دواء واحدا لشفائها، وهو جرعة من الهرب المسهل تمزجه أنت بنفسك بدرهمين من التزاوج، وقد تجد صعوبة في إعطائها هذا الدواء، ولكن بما أنك حاذق في مهنتك فتدبر الأمر حسب معرفتك، اذهب الآن وقم معها بنزهة في الحديقة لتهدئة خاطرها، أما أنا فأبقى هنا مع حضرة الوالد، ولكن لا تضيع الوقت، هيا إلى الدواء، إلى الدواء الشافي.
المشهد السابع
جيرونت - سغاناريل
جيرونت :
ما هذا الدواء يا سيدي؟! لم أسمع في حياتي بمثله.
سغاناريل :
هذه عقاقير تستعمل عند الحاجة الملحة.
جيرونت :
أرأيت يوما وقاحة كهذه الوقاحة؟!
سغاناريل :
جميع الفتيات هن عنيدات أحيانا.
جيرونت :
لا تستطيع أن تتصور شدة جنونها بلياندر هذا.
سغاناريل :
إن حرارة الدم تؤثر هذا التأثير في العقول الفتية.
جيرونت :
أما أنا، فلما اكتشفت حدة هذا الغرام عرفت أن أغلق على بنتي جميع المنافذ.
سغاناريل :
لقد نهجت نهجا حكيما.
جيرونت :
وأن أمنعها من الاتصال به منعا باتا.
سغاناريل :
حسن جدا.
جيرونت :
ولو سمحت لهما بمواجهة أحدهما للآخر لكان حدث ما لا تحمد عقباه.
سغاناريل :
بدون ريب.
جيرونت :
ولكانت بنتي هربت مع عشيقها.
سغاناريل :
نطقت بالصدق.
جيرونت :
قيل لي إنه يسعى جهده ليكلمها.
سغاناريل :
يا له أحمق!
جيرونت :
ولكنه سيضيع وقته.
سغاناريل :
آه ، آه!
جيرونت :
وسأمنعه من مشاهدتها.
سغاناريل :
بدون ريب، فلست أبله أنت، وتعرف مخارج لا يعرفها هو.
المشهد الثامن
لوكاس - جيرونت - سغاناريل
لوكاس :
آه سيدي! إن ابنتك هربت مع عشيقها لياندر، فالصيدلي كان لياندر بعينه، وحضرة الطبيب هو الذي دبر هذا العمل.
جيرونت :
ماذا؟! أأصرع بهذا الشكل؟! هيا، جيئوني بشرطي ولا تدعوه يهرب. آه يا خائن! سأنزل بك عقاب القانون.
لوكاس :
آه يا سيدي الطبيب! ستشنق شنقا، ولكن لا تتحرك من هنا.
المشهد التاسع
مرتين - سغاناريل - لوكاس
مرتين (للوكاس) :
آه يا ألله! كم شقيت في الوصول إلى هذا المكان! قل لي بحقك ماذا حل بالطبيب الذي هديتكم إليه؟
لوكاس :
هذا هو، وسيشنق عن قريب.
مرتين :
ماذا؟! سيشنق زوجي! واحسرتاه! وماذا فعل ليشنق؟
لوكاس :
لقد عمل على خطف ابنة سيدنا.
مرتين :
آه! أصحيح يا زوجي أنك ستشنق؟!
سغاناريل :
أرأيت؟! آه!
مرتين :
أتموت على مشهد من هذا الجمع الغفير؟!
سغاناريل :
ماذا تريدين أن أفعل؟!
مرتين :
لو كنت أنجزت قطع الأخشاب لهان الأمر قليلا.
سغاناريل :
اخرجي من هنا، إنك تقطعين شرايين قلبي.
مرتين :
لا، بل أريد أن أبقى لأشجعك على الموت، ولن أنصرف من هنا قبل أن أراك شنقت.
سغاناريل :
آه!
المشهد العاشر
جيرونت - سغاناريل - مرتين
جيرونت (لسغاناريل) :
الشرطي قادم إلى هنا، وستنال جزاءك.
سغاناريل (راكعا) :
آه! ألا يستبدل ذلك ببعض عصي؟!
جيرونت :
لا، لا، سيأخذ القانون مجراه، ولكن ماذا أرى؟!
المشهد الحادي عشر
جيرونت - لياندر - لوسند - سغاناريل - لوكاس - مرتين
لياندر :
سيدي، لقد جئت إليك، أنا لياندر، أضع لوسند تحت تصرفك وبين يديك، كنا عزمنا على الهرب فالزواج، على أن هذه الخطة لم ترقنا واستبدلنا بها خطة أشرف وأنبل، فأنا لا أريد أن أسرق بنتك بل أرغب أن تسلمها إلي بيدك، ولقد جئت أقول لك إني استلمت الآن رسائل تطلعني على أن عمي مات مورثا إياي كل ثروته.
جيرونت :
سيدي، إن فضيلتك كبيرة في نظري، وإني أهبك بنتي بسرور عظيم.
سغاناريل (على حدة) :
لقد نجا الطب!
مرتين :
بما أنك لن تشنق فاشكرني على جعلي إياك طبيبا؛ لأنك لولاي لما حظيت بهذا الشرف.
سغاناريل :
أجل، ولولاك لما حظيت لا أعلم بكم عصا!
لياندر (لسغاناريل) :
إن النتيجة التي حصلت تمحو كل أثر للانتقام.
سغاناريل :
طيب. (لمرتين):
إني أغفر لك ضربات العصي التي أطعمتها فداء المكانة السامية التي رفعتني إليها، ولكن استعدي من الآن فصاعدا لاحترام رجل مثلي، وتذكري أن غضب الطبيب هو أكبر مما يظن الناس. (تمت)
صفحة غير معروفة