ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك، فكان هذا الوقف جبرًا للقلوب، جزى الله خيرًا من تسامت هِمَّتُه في الخير إلى مثل هذا" (١).
في ظل هذا الأمن والرخاء قامت نهضة عُمْرانية رائعة، تنافس فيها أهل دمشق في عمارة المساجد والزوايا والمدارس والمشاهد (٢)، وعاش الناس في بُحْبُوحة، فكلُّ إنسان -حتى الغرباء- يتأتَّى له وَجْهٌ من المعاش (٣).
هذه الصُّورة المشرقة سرعان ما كَسَفَتْ، ولاحَتْ بوادر الانهيار، فقد قُتِلَ الأمير تنكز سنة (٧٤١ هـ) (٤)، ومات قاتلُهُ الملك النَّاصر بعده بأشهر (٥)، وانتشر مرض الطَّاعون في العالم القديم كلِّه، فراح يحصُدُ الآلاف، وعدم الخبز، وقلَّ القوت، وعَلَتْ وجوه الناس صفرةٌ ظاهرة (٦)، وبلغ عدد الموتى كل يوم في دمشق ألفين وأربع مئة (٧)، وغرقت البلاد في فوضى، فما يتولى سُلْطان حتى يقتل، ولا يتولَّى نائب حتى يعزل، فما بين سنة (٧٤١ هـ) وسنة (٧٨٤ هـ)، تولى السلطنة أثنا عشر سُلْطانًا، أغلبهم تتراوح أعمارهم بين السادسة والحادية عشرة، ثمانية منهم من أولاد الناصر، وأربعة من حَفَدَته، وتولى نيابة دمشق في الفترة نفسها أربعة وعشرون نائبًا بين تعيين وإعادة، ابتداءً من الطنبغا الناصري الذي تولاها
_________
(١) "رحلة ابن بطوطة": ١/ ١١٨.
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.
(٤) "البداية والنهاية": ١٤/ ١٨٨.
(٥) "السلوك" للمقريزي: ج ٢ / ق ٢/ ٥٢٣.
(٦) "النجوم الزاهرة": ١٠/ ٢٠٣.
(٧) "رحلة ابن بطوطة": ٢/ ٧٤٩.
1 / 13