القبول بوصفه نوعا من الحكمة «إن أفضل الأماكن التي يمكنك أن تبحث فيها عن الحكمة، هي في الحقيقة تلك التي لا تتوقع أن تجدها فيها؛ إنها أفكار مناهضيك.» صحيح هذا القول، وحقيقي. أليس كذلك؟ لكن من أجل ذلك عليك أن تستمع إلى أفكار مناهضيك، وأن تسمح لها بالوجود (نحن الذين نحلم دائما بألا يكون لنا غير «المؤيدين») حينها ستكون بمنزلة كنز لك، وفرصة لتصير أكثر ذكاء.
يسمح لنا القبول أن نفهم البعد المأسوي للواقع، دون أن نحول حياتنا بالضرورة إلى مأساة. إننا لا ننكر طبيعة الوجود المؤلمة وغير العادلة، وإنما نترك لها مكانا، لكن دون أن نترك لها المكان «كاملا»، بل نحافظ على مكان آخر لكل ما هو جميل وخير.
القبول سيسمح لنا بإدخال العالم كله في ذواتنا، بدلا من محاولة تشكيله على صورتنا، وأن نأخذ منه فقط ما يلائمنا ويشبهنا.
ولأن كلمة «قبول» تزعج الكثيرين؛ لأنهم يفهمون منها معنى «الإذعان»، بحثنا لها عن بدائل. يقترح علينا الفيلسوف ألكسندر جوليان مثلا كلمة «الافتراض» والتي تعني لغويا «الأخذ بالأمر» وقبوله والالتزام به. آخرون اقترحوا كلمة «التوسع»، ويعني إفساح المكان في دواخلنا، طوال الوقت، لكل شيء حتى ذلك الذي يزعجنا ويقلقنا. علينا ألا نستسلم للأمور أبدا، ولكن أيضا ألا نتعلق بها بشكل سلبي عبر رفضها. إن الرفض والكره، مثلهما مثل الخوف، سوف يؤديان إلى الهشاشة والضعف. الأمر إذن، أن نوسع دواخلنا، ممددين بذلك اضطراباتنا ورفضنا في محتوى أكثر اتساعا. وفي كل مرة يزداد شعورنا بالقساوة والرفض، تزداد حاجتنا لوعي أكثر اتساعا، دون أي موضوع؛ وعي يتلقى كل شيء.
وأخيرا قد يقترح القبول علينا خيارا تناقضيا؛ وهو ألا نختار شيئا، وألا نرفض شيئا، وألا نستبعد شيئا؛ حتى هذا «غير المرغوب»، و«غير الجيد»، و«غير الجميل»، و«غير الخير» ... إلخ. فنقرر أن نقبل كل شيء، أن نتلقى ما يحدث، وما هو موجود. إننا بالقبول نفتح مساحة داخلية لا نهائية؛ لأننا عدلنا عن فلترة كل شيء، ومحاولة التحكم بكل شيء، ولم نعد نحكم أو نقيس أو نتحقق. بهذه الطريقة يصبح القبول مصدرا لغذاء داخلي. وسيسمح لنا بإدخال العالم كله في ذواتنا، بدلا من محاولة تشكيله على صورتنا، وأن نأخذ منه فقط ما يلائمنا ويشبهنا. هذا ما كانت تقوله القديسة تيريزا من ليزيو بطريقتها الخاصة: «أختار كل شيء.» «الدرس الرابع عشر»
قبول كل شيء يجعلنا أكثر هدوءا وأكثر ذكاء، ومن ثم أكثر قدرة على تغيير ما يجب أن يتغير. هذا هو جوهر الفكرة.
ثم تأتي التجارب العملية التي من دونها يمكن أن يكون كل ذلك كلاما مرسلا. إن كل إزعاجاتنا الصغيرة اليومية تعد فرصا رائعة للتمرين على القبول.
هل أنت متضايق، ومنزعج، ومتعب؟ ابدأ بالتنفس وأدرك كل ما هو موجود في هذه اللحظة؛ أدرك الوضع، وتأثيره عليك، وأن كل ذلك موجود معك، وأنه لا يمكن إلغاؤه، ومن ثم عليك قبوله. ثم حاول أن تجد ما يمكنك فعله أو التفكير به. إنه أمر سهل الفهم، ورغم ذلك تم قوله وإعادته آلاف المرات؛ حتما لأن الشرح لا يكفي، وإنما تجب ممارسته بشكل يومي. من المؤكد أن الممارسة أقل فخامة وأقل متعة من الكلام الرنان، لكنها أكثر فعالية.
الجزء
أن نتجاوز العواصف بالاحتماء بملاذ اللحظة الحاضرة
صفحة غير معروفة