الفصل الثامن
أن نكون حاضرين في اللحظة الحالية
إنها لوحة صوتية بامتياز ؛ لكنها ككل لوحات الرسام لا تور، أكثر ما يضج فيها هو الصمت. لا يوجد داخل هذه الغرفة الصغيرة، ولا خارجها، أي كلام، أي حركة أو ضجة. إننا في العمق الأكثر ظلمة لليل.
هناك حوار وحيد، إنه حوار الضوء والظلال. حوار هذا اللهب مع انعكاسه في المرآة. وهذه الشمعة مجاز عن هشاشة حياة الإنسان، وانعكاسها في المرآة تعبير عن وعينا لهذه الهشاشة. كلتاهما، الشمعة وصورتها، محاطتان بالعتمة من كل اتجاه. فإذا أطفأنا هذه الشعلة بأصابعنا، فستطغى الظلمة على كل شيء.
لوحة «مريم المجدلية التائبة» أو «مريم المجدلية الخاصة بآل رايتسمان» (تقريبا 1638-1643) لجورج دي لا تور (1593-1652)، وهي لوحة زيتية على القماش، بأبعاد 1,334 × 1,022 متر، متحف المتروبوليتان للفنون، نيويورك.
تظهر الأشياء المحيطة بالشمعة، والملفعة بالضوء الضعيف، وكأنها يتامى. والمرآة لا ينظر فيها أحد؛ فلا يوجد فيها سوى انعكاس اللهب. وهذا العقد المتروك جانبا، يذكر بماضي مريم المجدلية بوصفها عاهرة، والجمجمة تذكرنا بالعبثية ورسالتها الجوهرية؛ تذكر أنك ستموت يوما. لكن لا تخش الموت. تذكر أن الحياة على هذه الأرض قصيرة، هشة، ودون جدوى، وتذكر أن كل ما هو أساسي وجوهري لا يسكنان هذه الحياة الفانية. لكن تذكر أيضا أنه يوجد سبيل آخر لعيشها ... وهو أن تعيها. ربما هذا ما تفكر به مريم المجدلية، بشعرها الطويل وثوبها الأحمر المطوي، وقميصها الأبيض الخالي من الأشرطة أو الزخرفة. فهل تشبه في وضعيتها هذه شخصا محكوما عليه أم شخصا في طريقه لتحرير نفسه من الماضي ومن الذنوب؟ وكل ذلك من أجل الذهاب إلى أين؟ لفعل ماذا؟ ... لاحقا، لاحقا ... يكفي الآن التجرد، والهدوء، وكثافة اللحظة الحاضرة. وضعت مريم المجدلية يديها على الجمجمة. لقد أدارت وجهها عن المشاهد، بل إنها تديره عن العالم أجمع. لكن ما الذي تنظر إليه؟ الشمعة؟ لا. هي لا تنظر إلى أي شيء. لقد غاصت عيناها في العدم الذي يسكن هذا الجدار الموجود خلف المرآة.
لقد توقفت عن الإيمان ب «الأحداث العظيمة» التي يرافقها الصراخ والدخان. وأرجوك أن تصدقني، يا ضجيج جهنم العزيز، أن الأحداث الأكثر أهمية ليست لحظاتنا الأكثر ضجة، وإنما تلك الأكثر صمتا.
نيتشه، «هكذا تكلم زرادشت»
الخشوع
الخشوع ضروري في تأمل الوعي الكامل. إنه يعني هنا العودة إلى الذات؛ أن نسكن ذاتنا من جديد، وأن نتواصل مع أنفسنا، خصوصا أن كثيرا من الأماكن، والأنشطة تلغي هذا التواصل، أو أنها على الأقل تحتكرنا وتبعدنا عن هذه اللحظات التي نشعر أثناءها ب «وجودنا»، نشعر بأننا هنا؛ لأننا أوقفنا كل «فعل».
صفحة غير معروفة