الفصل السابع
أن ندرب انتباهنا كي نزيد حدة وعينا
يبدو كل شيء بسيطا في البداية؛ تظهر اللوحة المقسومة إلى قسمين، من اليمين حاويا متجولا، ومن اليسار جمهورا يراقبه. وطاولة تفصل بينهما. ومن ثم ندخل في التفاصيل؛ تمتعنا الأناقة المصطنعة للحاوي، بقبعته الغريبة المظهر. ثم نكتشف البومة الصغيرة، رمز المكر والنفاق، التي يضعها خفية في السلة التي يمسكها بيده اليسرى، بينما إلى يمينه تظهر لنا كرة أظهرها بلا شك من تحت إحدى القوارير المقلوبة على الطاولة. نلاحظ أيضا الحجم الكبير للرجل المشدوه الذي ينحني فوق الطاولة، وندرك اللص الذي يجرده من محفظته وهو ينظر بشكل غريب إلى الأعلى كما لو أنه يريد تشتيت انتباه الحاضرين. نتساءل: هل اللص شريك الحاوي كما المرأة ذات اللباس الأنيق الأحمر، التي تشير بإصبعها؟
إذن، تشد انتباهنا تفاصيل غريبة؛ الرجل الذي تتم سرقته بينما يسيل لعابه في لحظة انشغاله، والشخصيات الأخرى جميعها تقريبا تنظر باتجاهات مختلفة؛ بعضها ينظر إلى الطاولة وبعضها الآخر ينظر إلى الحاوي، أو إلى الشخص الطويل المنحني، بينما يغلق آخرون أعينهم، وأيضا ذلك المتفرج المنسي؛ ضفدع ساكن جاثم على الطاولة وهو ينظر إلى الحاوي بانتباه شديد.
كما هي الحال دائما عند بوس؛ الرموز كثيرة، ودلالات هذه اللوحة الغريبة عديدة. ولكن شيئا واحدا يهمنا هنا؛ فهذا العمل الفني المثالي يحدثنا أيضا عن الانتباه وعن الوعي. إنه يحدثنا أيضا عن الفائض من الانتباه أو القليل جدا منه، اللذين يتشابهان بأنهما يضيقان ساحة وعينا ويضعفانه مسببين العديد من الإزعاجات لنا.
لوحة «الحاوي» (أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر) لجيليس بانهيديل/هيرونيموس بوس فان أكن (المعروف بجيروم بوس) (1450-1516)، وهي لوحة زيتية على الخشب، بأبعاد 0,53 × 0,65 متر، المتحف المحلي، سان جرمن آن لي.
حافظ على جسدك ساكنا.
حافظ على الصمت.
لا تلجم أفكارك؛ دعها تأتي.
ودع وعيك يتحرر.
صفحة غير معروفة