ومع الوقت، سنساعد هذا الجسد الذي كان في حالة انتظار، وكان بعيدا عنا. وسنقبله كما هو، فيصبح مسالما، وسيساعدنا هو بدوره، لتصبح روحنا مسالمة وجلية. «الدرس الثالث»
من المثير للغرابة إلى أي مدى قد ينسى كثير منا أجسادهم، أو قد يقلقوا بشأنها بشكل مفرط، مارين من إنكارها الكامل حين نكون بخير إلى الأفكار الوسواسية حين نكون متعبين. يوصينا الوعي الكامل بأن نقوم بزيارات ودية لجسدنا، وذلك بالتواصل مع ما يقدمه لنا من أحاسيس، والقيام بتفقده، باستعراض أجزائه بلطف، قبل أن نخلد إلى النوم، عند الاستيقاظ، وفي وقت الراحة. علينا أن نراقب ما يحدث، وكالعادة، دون البحث عن حل أو محاولة تسكين ألم ما. فقط علينا مراقبته. وسيكون لذلك، بوصفه بداية، فائدة كبيرة، وهي أن نعطي جسدنا مكانا داخل إدراكنا.
الفصل الرابع
أن نغمض عيوننا وننصت
لم يخلق فن الرسم للعيون فقط؛ إذ تستطيع بعض اللوحات أن تهمس لنا في آذاننا. كهذه اللوحة مثلا؛ إنها لوحة رسمت كي ننصت إليها. إنها رسمت لنشاهدها أيضا بالتأكيد، ولكن على وجه الخصوص كي نستمع إليها.
سنجد صراخ الأطفال الذين يلعبون، ونداء أمهاتهم وهن يقمن بتهدئتهم. سنسمع أيضا حفيف أوراق الأشجار الذي تحدثه ريح خفيفة ، وغناء العصافير، وربما النباح البعيد لكلب أو كلبين.
ولكن، تفاجئنا ضجة غريبة، تقترب ببطء؛ تش، تش، تادم ... إنها صوت القطار البخاري الذي يظهر ببطء ثم يملأ المكان بلهاثه، وقرقعة العجلات على السكة الحديدية. تشوت، تشوت ... إنه صوت الصفارة التي يطلقها السائق، بدافع العادة أو الطرب وهو يعبر الجسر. ثم يخفت صوته ويختفي القطار. ما زلنا نسمع ضجيجه من بعيد، وبعد لحظة ... لا شيء. تغيب الضجة وتذوب ببطء، ولا يبقى سوى ذكرى مرور القطار. في أي لحظة بالضبط اختفى صوت القطار؟ كم من الوقت بالضبط قام بلفت انتباهنا؟ قد تكون مثل هذه الأسئلة بلا أهمية. ربما، وقد تكون جديرة بالاهتمام؛ فهي توضح لنا كيف تنصت روحنا للحياة، إن كانت تفعل ذلك.
لوحة «قطار في الريف» (1870 تقريبا) لكلود مونيه (1840-1926)، وهي لوحة زيتية على القماش، بأبعاد 0,50 × 0,653 متر، متحف أورسيه، باريس.
إنها الحياة التي تستمر لحظة إثر لحظة، وببطء تعود إلى ساحة وعينا صرخات الأولاد والأمهات، صوت الريح وغناء العصافير، وربما النباح البعيد لكلب أو كلبين.
أستمع إلى صوت ذلك العصفور، ليس من أجل غنائه وإنما من أجل الصمت الذي يليه.
صفحة غير معروفة