لقد توقفنا الآن، جلسنا وأغمضنا أجفاننا، ليس من أجل أن ننام، ولا لكي نستريح، وإنما كي ندرك؛ ندرك ما نختبره، ونجلي هذه الفوضى، التي ليست سوى صدى العالم داخلنا. ندرك وجود طريقين؛ ذلك الذي يمر عبر التفكير (التدخل، التصرف، لي عنق الحقيقة حسب هوانا، حسب وعينا أو جهودنا)، وذلك الذي يمر عبر التجربة (إدراك الحقيقة عارية كما هي، تركها تغلفنا، تسكننا، تتشربنا، في حالة من الانتباه الشديد، تاركين كل جهد جانبا).
في كلتا الحالتين؛ التفكير والتجربة، نبقى في تواصل مع العالم، لفهمه واستيعابه بوضوح أكثر. كلا الطريقين مثاليان، لكل منهما طبيعته، ولا فضل لأحدهما على الآخر. إننا نحتاجهما معا، وهما في حالة حركة فعالة.
كي نيسر الأمر، لنقل إن الطريق الأول هو انعكاس تجربتنا الفلسفية، والثاني (احتواء العالم دون التفكير بتفاصيله، والتفكير به دون كلمات، وما وراء الكلمات والمعاني)، هو طريق الوعي الكامل. إن هذه التجربة التأملية في حالة الوعي الكامل هي ما يهمنا في هذا الكتاب.
أن نكون حاضرين بوعي كامل
تقتضي حالة الوعي الكامل تكثيف حضورنا في اللحظة الراهنة؛ التوقف وتشربها بدلا من الهروب منها أو محاولة تغييرها، عبر الفعل أو التفكير.
حالة الوعي الكامل هي هذه الحركة التي يقوم بها الفيلسوف في اللوحة، حين يغض البصر للحظة عن عمله الذهني، منتقلا إلى فضاءات أخرى؛ ربما هضم واستيعاب نتاج تفكيره أو ما اكتشفه في تلك اللحظة، وربما الاستعداد للذهاب أبعد بالتوقف لحظة إدراك.
الوعي الكامل ليس حالة فراغ، وليس حالة تفكير؛ هو أن نتوقف كي نتواصل مع تجربة العيش التي تبقى في حركة دائمة والتي نحن بصدد الشعور بها الآن، وكي نراقب طبيعة علاقتنا مع هذه التجربة، طبيعة حضورنا في هذه اللحظة.
إنها ما يحدث الآن إذا قمتم، وأنتم تقرءون ببطء هذه السطور، بالانتباه إلى أنكم تتنفسون أيضا، وتدركون أحاسيس جسدكم. الانتباه إلى وجود أشياء أخرى في ساحة بصركم غير هذا الكتاب، إلى الأصوات حولكم، إلى الأفكار التي تأخذكم إلى أماكن أخرى، أو تهمس لكم بالثناء على ما تقومون الآن بقراءته أو نقده.
الوعي الكامل هو هذه اللحظة التي تتهيئون أثناءها لطي هذه الصفحة والانتقال إلى الصفحة التالية (ربما تكون يدكم في حالة استعداد الآن، حتى قبل أن تقوموا بالانتهاء من قراءة هذه السطور)؛ فتتوقفون عند هذه الحركة وتراقبون؛ تراقبون تهيؤكم الداخلي لطي الصفحة، أن تقولوا لأنفسكم: «سأقلب هذه الصفحة.» بدلا من أن تقوموا بهذه الحركة دون وعي منكم.
حالة الوعي الكامل، هي هذه؛ أن تبتكروا، للحظة، فضاء صغيرا كي «تروا ما تفعلون». ستقولون لي إن طي صفحة ليس أمرا جديرا بالاهتمام. هذا صحيح، ولكن من ناحية أخرى، سيكون ذلك مفيدا في لحظات أخرى كثيرة في حياتكم.
صفحة غير معروفة