تأويل مختلف الحديث
الناشر
المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق
رقم الإصدار
الطبعة الثانية
سنة النشر
١٤١٩ هجري
تصانيف
علوم الحديث
فَإِذَا جَازَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ ﷿ رَسُولًا بِشَرِيعَةٍ، فَتُسْتَعْمَلُ حِقَبًا مِنَ الدَّهْرِ، وَيَكُونُ الْمُسْتَعْمِلُونَ لَهَا مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَبْعَثُ رَسُولًا ثَانِيًا بِشَرِيعَةٍ ثَانِيَةٍ، تَنْسَخُ تِلْكَ الْأُولَى وَيَكُونُ الْمُسْتَعْمِلُونَ لَهَا مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى، كَبَعْثِهِ مُوسَى ﵇ بِالسَّبْتِ، وَنُسِخَ السَّبْتُ بِالْمَسِيحِ ﵇، وَبَعْثِهِ إِيَّاهُ بِالْخِتَانِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَنُسِخَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالْمَسِيحِ ﵇ جَازَ أَيْضًا أَنْ يَفْرِضَ شَيْئًا عَلَى عِبَادِهِ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ يَنْسَخُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَالرَّسُولُ وَاحِدٌ.
وَقَدْ قَالَ ﷿: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ ١ يُرِيدُ، بِخَيْرٍ مِنْهَا أَسْهَلَ مِنْهَا.
وَإِذَا جَازَ أَنْ يُنْسَخَ الْكِتَابُ بِالْكِتَابِ، جَازَ أَنْ يُنْسَخَ الْكِتَابُ بِالسُّنَّةِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ يَأْتِيهِ بِهَا جِبْرِيلُ ﵇، عَنِ اللَّهِ ﵎، فَيَكُونُ الْمَنْسُوخُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ قُرْآنٌ، بِنَاسِخٍ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ ﷿، الَّذِي لَيْسَ بِقُرْآنٍ.
وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ" ٢.
يُرِيدُ أَنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وَمِثْلَ الْكِتَابِ مِنَ السُّنَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ٣.
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ ﷿ أَنَّا نَقْبَلُ مِنْهُ مَا بَلَغَنَا عَنْهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَكِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَنْسَخُ بَعْضَ الْقُرْآنِ بِالْوَحْيِ إِلَيْهِ.
فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ، قَدَحَ فِي بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَأَثَّرَ فِي بَعْضِ الْبَصَائِرِ فَقَالَ لَنَا: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ أَيْ: مَا آتَاكُمْ بِهِ الرَّسُولُ، مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ مِمَّا ينْسَخ الْقُرْآن، فاقبلوه.
١ الْآيَة ١٠٦ من سُورَة الْبَقَرَة.
٢ أخرجه أَحْمد: ٢/ ١٢٩، ٤/ ١٣١.
٣ الْآيَة ٧ من سُورَة الْحَشْر.
1 / 282