تأويل مختلف الحديث
الناشر
المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق
رقم الإصدار
الطبعة الثانية
سنة النشر
١٤١٩ هجري
تصانيف
علوم الحديث
وَذَهَبُوا فِي السِّحْرِ إِلَى أَنَّهُ حِيلَةٌ يُصْرَفُ بِهَا وَجْهُ الْمَرْءِ عَنْ أَخِيهِ، وَيُفَرَّقُ بِهَا بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ كَالتَّمَائِمِ١ وَالْكَذِبِ، وَقَالُوا: هَذِهِ رُقًى٢، وَمِنْهُ السُّمُّ يُسْقَاهُ الرَّجُلُ فَيَقْطَعُهُ عَنِ النِّسَاءِ، وَيُغَيِّرُ خُلُقَهُ، وَيَنْثُرُ شَعْرَهُ وَلِحْيَتَهُ.
وَإِلَى أَنَّ سَحَرَةَ فِرْعَوْنَ خَيَّلُوا لِمُوسَى ﷺ، مَا أَرَوْهُ.
قَالُوا: وَمِثْلُ ذَلِكَ؛ أَنَّا نَأْخُذُ الزِّئْبَقَ، فَنُفْرِغُهُ فِي وِعَاءٍ كَالْحَيَّةِ، ثُمَّ نُرْسِلُهُ فِي مَوْضِعٍ حَارٍّ، فَيَنْسَابُ انْسِيَابَ الْحَيَّةِ.
قَالُوا: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ ٣، إِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ، وَلَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
وَقَالُوا: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ ٤ هُوَ بِمَعْنَى النَّفْيِ.
أَيْ: لَمْ يَنْزِلْ ذَلِكَ.
وَقَالُوا: الْمَلِكَيْنِ، بِكَسْرِ اللَّامِ.
وَذَكَرُوا عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، وَيَقُولُ: عِلْجَانِ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الَّذِي يَذْهَبُ إِلَى هَذَا، مُخَالِفٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَجَمِيعِ أَهْلِ الْكُتُبِ، وَمُخَالِفٌ لِلْأُمَمِ كُلِّهَا، الْهِنْدُ، وَهِيَ أَشَدُّهَا إِيمَانًا بِالرُّقَى، وَالرُّومُ وَالْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي الْإِسْلَامِ، وَمُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ مُعَانِدٌ لَهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَالَ لِرَسُولِهِ ﷺ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ
١ تمائم: جمع تَمِيمَة وَهِي خرزة رقطاء تنظم فِي السّير ثمَّ يعْقد فِي الْعُنُق، أَو مَا شابه ذَلِك، لدفع الْعين أَو جلب الْخَيْر وَهَذَا من عمل الْجَاهِلِيَّة.
٢ رقي: جمع رقية وَهِي مَا يرقى بِهِ الْمَرِيض وَغَيره.
٣ سُورَة طه: الْآيَة ٦٦.
٤ سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة ١٠٢.
1 / 261