تأويل مختلف الحديث
الناشر
المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق
رقم الإصدار
الطبعة الثانية
سنة النشر
١٤١٩ هجري
تصانيف
علوم الحديث
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ ١، وَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى﴾ ٢.
ثُمَّ قَالَ: ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ٣ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَلَوْ كَانَ أَرَادَ بِالَّذِينِ آمنُوا -هَهُنَا- الْمُسلمُونَ، لم يقل: "من آمن بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى.
وَلَا نَقُولُ لَهُ مُؤْمِنٌ؛ كَمَا أَنَّا لَا نَقُولُ لِلْمُنَافِقِينَ: مُؤْمِنُونَ، وَإِنْ قُلْنَا: قَدْ آمَنُوا، لِأَنَّ إِيمَانَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَقْدٍ وَلَا نِيَّةٍ.
وَكَذَلِكَ نَقُولُ لِعَاصِي الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "عَصَى وَغَوَى" وَلَا نَقُولُ: "عَاصٍ وَلَا غَاوٍ"؛ لِأَنَّ ذَنْبَهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ إِرْهَاصٍ وَلَا عَقْدٍ، كَذُنُوبِ أَعْدَاءِ اللَّهِ ﷿.
٢- وَرَجُلٌ صَدَّقَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، مَعَ تَدَنُّسٍ بِالذُّنُوبِ، وَتَقْصِيرٍ فِي الطَّاعَاتِ مِنْ غَيْرِ إِصْرَارٍ فَنَقُولُ: "قَدْ آمَنَ" وَهُوَ مُؤْمِنٌ مَا تَنَاهَى عَنِ الْكَبَائِرِ، فَإِذَا لَابَسَهَا لَمْ يَكُنْ فِي حَالِ الملابسة مؤمنصا؛ "يُرِيدُ" مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ ﷺ قَالَ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ" يُرِيدُ فِي وقته ذَلِك؛ لِأَنَّهُ قيل ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرُ مُصِرٍّ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرُ مُصِرٍّ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ تَائِبٌ.
وَمِمَّا يَزِيدُ فِي وُضُوحِ هَذَا، الْحَدِيثُ الْآخَرُ: "إِذَا زَنَى الزَّانِي، سُلِبَ الْإِيمَان، فَإِن تَابَ ألبسهُ" ٤.
١ سُورَة المُنَافِقُونَ: الْآيَة ٣.
٢ سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة ٦٢.
٣ سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة. وَردت الْآيَة خطأ بِزِيَادَة "مِنْهُم" من آمن مِنْهُم ... " فحذفناها من النَّص.
٤ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة: كتاب السّنة ١٥، برقم ٤٦٩٠ بِلَفْظ: "إِذا زنى الرجل خرج مِنْهُ الْإِيمَان وَكَانَ عَلَيْهِ كالظلة، فَإِذا انقلع رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَان".
وَانْظُر صَحِيح الْجَامِع رقم ٥٨٦، والسلسلة الصَّحِيحَة رقم ٥٠٩.
1 / 252