تأويل مختلف الحديث

ابن قتيبة ت. 276 هجري
154

تأويل مختلف الحديث

الناشر

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

رقم الإصدار

الطبعة الثانية

سنة النشر

١٤١٩ هجري

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ، وَلِكُلِّ مَعْنًى مِنْهَا وَقْتٌ وَمَوْضِعٌ، فَإِذَا وُضِعَ بِمَوْضِعِهِ زَالَ الْاخْتِلَافُ. وَالْعَدْوَى جِنْسَانِ: أَحَدُهُمَا: عَدْوَى الْجُذَامِ، فَإِنَّ الْمَجْذُومَ، تَشْتَدُّ رَائِحَتُهُ حَتَّى يُسْقِمَ مَنْ أَطَالَ مُجَالَسَتَهُ وَمُؤَاكَلَتَهُ. وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ، تَكُونُ تَحْتَ الْمَجْذُومِ، فَتُضَاجِعُهُ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، فَيُوَصِّلُ إِلَيْهَا الْأَذَى، وَرُبَّمَا جُذِمَتْ. وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ ينزِعُون -فِي الْكَثِيرِ١- إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ بِهِ سُلٌّ٢ وَدَقٌّ، ونَقْب. وَالْأَطِبَّاءُ تَأْمُرُ بِأَنْ لَا يُجَالَسَ الْمَسْلُولُ ُولا الْمَجْذُومُ. لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ مَعْنَى الْعَدْوَى، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ تَغَيُّرَ الرَّائِحَةِ، وَأَنَّهَا قَدْ تُسْقِمُ مَنْ أطالَ اشْتِمَامَهَا. وَالْأَطِبَّاءُ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ الْإِيْمَانِ بِيُمْنٍ أَوْ شُؤْمٍ. وَكَذَلِكَ النُّقْبَةُ، تَكُونُ بِالْبَعِيرِ، وَهِيَ جربٌ رَطْبٌ، فَإِذَا خَالَطَهَا الْإِبِلُ، وَحَاكَهَا، وَأَوَى فِي مُبَارِكِهَا، أَوْصَلَ إِلَيْهَا، بِالْمَاءِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ وَالنُّطَفُ نَحْوًا مِمَّا بِهِ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يُورِدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ". كَرِهَ أَنْ يُخَالِطَ الْمَعْيُوهُ٣ الصَّحِيحَ، فَيَنَالُهُ مِنْ نَطفه وحِكَّته، نَحْو مِمَّا بِهِ.

١ وَفِي نُسْخَة: فِي الْكبر. ٢ السل: بِالْكَسْرِ وَالضَّم: قرحَة تحدث فِي الرئة بتأثير جرثوم، وَقد تنْتَقل بعدوى المخالطة. ٣ المعيوه: الْمُصَاب بالعاهة.

1 / 168