155

تاريخ ابن خلدون

محقق

خليل شحادة

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠١ هجري

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التاريخ
الفصل السادس في أن معاناة أهل الحضر للأحكام مفسدة للبأس فيهم ذاهبة بالمنعة منهم
وذلك أنّه ليس كلّ أحد مالك أمر نفسه إذ الرّؤساء والأمراء المالكون لأمر النّاس قليل بالنّسبة إلى غيرهم فمن الغالب أن يكون الإنسان في ملكة غيره، ولا بدّ فإن كانت الملكة رفيقة وعادلة لا يعاني منها حكم ولا منع وصدّ كان النّاس من تحت يدها مدلين بما في أنفسهم من شجاعة أو جبن واثقين بعدم الوازع حتّى صار لهم الإذلال جبلّة لا يعرفون سواها وأمّا إذا كانت الملكة وأحكامها بالقهر والسّطوة والإخافة فتكسر حينئذ من سورة بأسهم وتذهب المنعة عنهم لما يكون من التّكاسل في النّفوس المضطهدة كما نبيّنه وقد نهى عمر سعدا ﵄ عن مثلها لمّا أخذ زهرة بن حوبة سلب الجالنوس وكانت قيمته خمسة وسبعين ألفا من الذّهب وكان اتّبع الجالنوس يوم القادسيّة فقتله وأخذ سلبه فانتزعه منه سعد وقال له هلّا انتظرت في اتّباعه إذني وكتب إلى عمر يستأذنه فكتب إليه عمر تعمد إلى مثل زهرة وقد صلّى بما صلّى به [١] وبقي عليك ما بقي من حربك وتكسر فوقه [٢] وتفسد قلبه وأمضى له عمر سلبه وأمّا إذا كانت الأحكام بالعقاب فمذهبة للبأس بالكلّيّة لأنّ وقوع العقاب به ولم يدافع عن نفسه يكسبه المذلّة الّتي تكسر من سورة بأسه بلا شكّ وأمّا إذا كانت الأحكام تأديبيّة وتعليميّة وأخذت من عهد الصّبا أثّرت في ذلك بعض الشّيء لمرباه على المخافة والانقياد

[١] بمعنى قاسي شدائد الحرب.
[٢] تثبط همته.

1 / 157