146

مجلة «المعرفة» السورية

تصانيف

من أمراضنا الاجتماعية
للأستاذ أنور هدى البرازي
الصحف في بلادنا فقيرة. . . فقيرة. . . بمادتها وفقيرة بجوهرها. . . فقيرة بمادتها لأن المثقفين في بلادنا هم غالبًا طبقة لم تتهيأ لهم وسائل التعارف والتكتل والانسجام فهذا يكتب في مصر، وذاك يتشاءم ويسس الصحافة، والأخر يفضل السكوت. . . وبينهم من يعمل في دوائر صغيرة أضيق من الأفق الموضوعي، فيكتب إما لحزبه أو لجماعته أو في سبيل دعاوة معينة أو وسيلة مغرضة. . . كل هذا كان سببًا في تفكك الفعالية الاجتماعية وفي هدر الفعاليات القومية وفي تضحية كثير من الوقت، ونتيجة لمثل هذا الانشقاق في اتجاه فعالياتنا الفكرية تولد عندنا مرض اجتماعي خطير وجسيم، هو مرض انهيار الإرادة الاجتماعية والعمل المشترك المفيد والاختصاص المبدع. . . فكل واحد منا يظهر أنه يريد أن يكون كل شيء أو لا شيء سواه. . .
كل شاب من شبابنا يريد أن يكتب في كل شيء أو لا يكتب شيئًا، وكل هيئة أو بعثة أو جماعة من جماعاتنا تريد أن تكون هي كل شيء أو لا شيء. . .
ولما كان الاتجاه الأول في هذه الفرضية، فرضية الكون كل شيء، هو اتجاه مستحيل التطبيق والتحقيق لذلك كان من المؤكد انتهاء من يريدون أن يكونوا كل شيء إلى صف الذين ليسوا شيئًا، وتكون النتيجة النهائية والجوهر الأخير لخليطة فعالياتنا القومية هدرًا واضحًا وتضحية طائشة وظاهرة انهزامية مرضية خطيرة. . .
أقول هذا ولست متشائمًا لأنني أعرف أسباب العلة وأثق بما أعرف وأعمل جهدي دومًا لتلافي وقوعي ووقوع إخواني في مثل هذا الداء. . . ولأنني واثق تمام الثقة بأن هناك في سورية كثيرين من الشباب الذين لا يجهلون هذا البلاء الفكري عندنا. الحقيقة التي لا شك بصحتها أننا يجب علينا جميعًا أن نفحص ثقافاتنا قبل التوجه إلى ميدان الفكر. . . علينا أن نكشف النقاب عن أنانياتنا الفردية ونتساءل بتجرد هل نحن مثقفون؟!. . . هل نؤمن بالموضوعية ونكتب لأجلها!؟. . . هل نعيش لنفكر تفكيرا سليمًا أو نفكر لنعيش عيشًا طيبًا؟!. . .
إن الذين يفكرون ليعيشوا، هؤلاء لا يستطيعون مطلقًا أن يبرروا لأنفسهم الدخول إلى

2 / 70