من أجل هذا العنصر الأجنبي، إن الجسم ليس منا.
قالت الأولى: أفهو إذن من غيرنا؟ وقهقهت ضاحكة.
قالت: اسخري من نفسك. إنه لو كان منّا لما عشنا إلا فيه ولم نعش بعده، إنه ثوب نلبسه ونخلعه، أفيكون الثوب جزءًا من اللابس؟
قالت الأولى: إني لم أفهم فلسفتك. أتزعمين أن يدي ورجلي ليستا مني؟
قالت: نعم؛ إن المرء لو قُطعت يده أو رجله أو ذهب سمعه أو بصره فلن تنقص نفسه شيئًا، بل لقد يكون الأعمى الأصمُّ أكملَ نفسًا وأقوى عقلًا وأسمى روحًا من السميع البصير، وإنك لتعلمين هذا، ولكنك «نفس سوء» تريدين الاستمتاع بشهواتك، ونحن لا نحيا لنيل الشهوات.
قالت الأولى: فلِمَ إذن نحيا يا أيتها «النفس المفكِّرة»؟
قالت: نحيا لنكشف خبايا الوجود، لنستطلع طلع الكائنات، لنعرف نواميس الكون وأسرار الطبيعة ... من أجل هذا نحيا.
فانبرت لها نفسي الثالثة فقالت: كنت أظنك عاقلة تفهمين وتعرفين، فإذا أنت جاهلة. ويحك! ما نحن والوجود؟ ما لنا والطبيعة؟ وماذا يعنينا أكانت المجرّة نهرًا في السماء أم كانت مجموعة من الكواكب؟ وماذا ينفعنا أن يكون في المريخ ناس أو يكون مقفرًا لا ناس فيه؟ وما لنا ولهذا الفضول؟
قالت الثانية: إنك «نفس شاعرة» تنكرين قيمة العلم.
1 / 82