تساءلت: ما هذا وما ذاك؟ وما أنت بينهما؟ وما الذي يزيّن لك المعصية، ومَن يصور لك لذّتها ويجرّك إليها، وما الذي ينفّرك منها ويبعدك عنها؟ يقولون: إنها النفس وإنه العقل، فهل فكرت يومًا ما النفس الأمّارة بالسوء، وما العقل الرادع عنه؟ وما أنت؟
وتثور بك الشهوة حتى ترى الدنيا كلها مخدع الحبيب والحياة كلها متعة الجسد، وتتمنى أمانيّ لو أُعطيها شيطان لارتجف من فظاعتها الشيطان، ثم تهدأ شهوتك فلا ترى أقبح من هذه الأماني ولا أسخف من ذلك الوصال! ويعصف بنفسك الغضب حتى ترى اللذة في الأذى والمتعة في الانتقام، وتغدو كأن سبعًا حل فيك فصارت إنسانيتك وحشية، ثم يسكت عنك الغضب، فتجد الألم فيما كنت تراه لذة، والندم على ما كنت تتمناه. وتقرأ كتابًا في السيرة أو تتلو قصة أو تنشد قصيدة، فتحس كأنْ قد سكن قلبَك مَلَكٌ فطرتَ بغير جناح إلى عالم كله خير وجمال، ثم تدع الكتاب فلا تجد في نفسك ولا في الوجود أثارة من ذلك العالم.
فهل تساءلت مرة: ما أنا من هؤلاء؟ هل أنا ذلك الإنسان الشهوان الذي يستبيح في لذته كل محرَّم ويأتي كل قبيح؟ أم ذلك الإنسان البطّاش الذي يشرب دم أخيه الإنسان ويتغذى بعذابه ويسعد بشقائه؟ أم ذلك الإنسان السامي الذي يحلق في سماء الطهر بلا جناح؟ أسبع أنا أم شيطان أم مَلَك؟ (١)
* * *
_________
(١) راجع مقالة «النفس الأمّارة بالسوء والنفس اللوّامة» في كتاب «نور وهداية» (مجاهد).
1 / 63