ضيق الغرفة، وأرخيت العنان لأفكاري فانسابت على مهل.
ولبثت ساهرًا وحدي وقد نامت النجوم على فرش المُزْن الرقراق، ونامت الجبال على أكتاف الأودية وحوافي السهول، ونامت الغوطة في أحضان قاسيون، ونامت الأشجار في جنان الغوطة، حتى بردى فإنه يمشي نائمًا فِعْلَ الجند وهم قافلون من سفر بعيد متعب، وقد ملّ من طول السفر وبعد الغاية التي لم يصل إليها وهو يمشي نحوها منذ ألف ألف سنة، وكاد يخالطه اليأس من بلوغها! ولم يبقَ ساهرًا معي إلا هذه الأضواء الكليلة التي ترتجف من الوحدة والخوف، وتنظر بعيونها «الزرقاء» خلال الظلام فلا تبصر الطريق.
* * *
وجعلت أفكر فأرى الطبيعة ظاهرها كباطنها، لا يُضمر الجبل نفاقًا، ولا السهل يبطن حقدًا، ولا السحاب ينطوي على مكر، ثم أنظر إلى هذه السقوف التي كانت تبدو بهية براقة، يقطر منها النور بعدما اغتسلت بضياء القمر، فأفكر فيها: ماذا تحت هذه السقوف؟
كم تحتها من خبايا وعجائب ومؤتلف ومختلف! كم من معبد لمتهجد متنسك إلى جنب مخدع لمستهتر متهتك، هذا خلا بربّه وذاك بحبّه، فتجاورت منهما الظلمة والنور. وكم من سرير لميت يحف به أهله يبكون، ومضجع لعروسين أحاط بهما الأقرباء يضحكون. ومَن يبيت يتبرم بالولد ومن يتألم من العقم، وشاكٍ من التخمة وباكٍ من الجوع، ومسرور يتمنى لو طال الليل
1 / 44