إليها من غير طريقها ونَلِجُها من غير بابها؟
إننا نريد أن نذبح «الديك» لنستريح من صوته، ولو ذبحناه لوجدنا في مكانه مئة ديك لأن الأرض مملوءة بالدِّيَكة، فلماذا لا نرفع الديكة من رؤوسنا إذا لم يمكن أن نرفعها من الأرض؟ لماذا لا نسدّ آذاننا عنها إذا لم نقدر أن نسدّ أفواهها عنا؟ لماذا لا نجعل أهواءنا وفق ما في الوجود إذا لم نستطع أن نجعل كل ما في الوجود وفق أهوائنا؟
أنام في داري فلا توقظني عربات الشارع وهي تزلزل بسيرها الأرض، ولا أصوات الباعة وهي ترعد في الجو، ولا أبواق السيارات وهي تُسمع الموتى، وتوقظني همسة في جو الدار ضعيفة وخطوة على ثراها خفيفة، فإن نمت في الفندق لم يوقظني شيء وراء باب غرفتي، فإن كان نومي في القطار لم يزعجني عن منامي حديث جيراني إلى جنبي ولا صوت القطار وهو يهتزّ بي، فكيف احتملت هنا ما لم أكن أحتمله هناك، وآلمني هناك ما لم يؤلمني هنا؟
ذلك لأن الحس كالنور، إن أطلقتَه أضاء لك ما حولك فرأيت ما تحب وما تكره، وإن حجبته حجب الأشياء عنك، فأنت لا تسمع أصوات الشارع مع أنها أشد وأقوى وتسمع همس الدار وهو أضعف وأخفت، لأنك وجَّهْتَ إلى هذا حسَّك وأغفلت ذلك وأخرجته من نفسك فلم تسمعه على شدته، وخفي عنك كما تختفي في الظلام عظائم الموجودات. فلماذا لا تصرف حسّك عن كل مكروه؟ إنه ليس كل ألم يدخل قلبك، ولكن ما
1 / 18