فَاسْتَوْثَقَ الرَّجُلُ مِنْ أَمَانِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا عُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ الصِّدْقِ بِالْوَعْدِ وَالوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَتَسَلَّلَ إِلَيْهِمْ تَحْتَ جُنْحِ الظَّلَامِ، وَأَفْضَى لِأَبِي مُوسَى بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ فَقَالَ:
نَحْنُ مِنْ سَادَاتِ القَوْمِ، وَقَدْ قَتَلَ ((الهُرْمُزَانُ)) أَخِي الأَكْبَرَ، وَعَدًا(١) عَلَى مَالِهِ وَأَهْلِهِ، وَأَضْمَرَ لِيَ الشَّرَّ فِي صَدْرِهِ حَتَّى مَا عُدْتُ آمَنُهُ عَلَى نَفْسِي وَأَوْلَادِي ...
فَآتَيْتُ عَدْلَكُمْ عَلَى ظُلْمِهِ، وَوَفَاءَكُمْ عَلَى غَدْرِهِ، وَعَزَمْتُ عَلَى أَنْ أَدُلَّكُمْ عَلَى مَنْفَذٍ خَفِيٍّ تَنْفُذُونَ مِنْهُ إِلَى ((تُسْتَرَ)) ...
فَأَعْطِنِي إِنْسَاناً يَتَحَلَّى بِالْجُرْأَةِ وَالْعَقْلِ، وَيَكُونُ مِمَّنْ يُتْقِنُونَ السَّاحَةَ حَتَّى أُرْشِدَهُ إِلَى الطَّرِيقِ.
***
اسْتَدْعَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ مَجْزَأَةَ بْنَ ثَوْرِ السَّدُوسِيِّ، وَأَسَرَّ إِلَيْهِ بِالأَمْرِ وَقَالَ:
أَعِنِّي بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِكَ لَهُ عَقْلٌ وَحَزْمٌ، وَقُدْرَةٌ عَلَى السَّاحَةِ.
فَقَالَ مَجْزَأَةُ: اجْعَلْنِي ذَلِكَ الرَّجُلَ أَيُّهَا الأَمِيرُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: إِذَا كُنْتَ قَدْ شِئْتَ؛ فَعَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ.
ثُمَّ أَوْصَاهُ أَنْ يَحْفَظَ الطَّرِيقَ، وَأَنْ يَعْرِفَ مَوْضِعَ التَّابِ، وَأَنْ يُحَدِّدَ مَكَانَ ((الهُرْمُزَانِ)) ، وَأَنْ يَتَثَبَّتَ مِنْ شَخْصِهِ، وَأَلَّا يُحْدِثَ أَمْراً غَيْرَ ذَلِكَ.
(١) عدا: تَعَدَّى.
163