فَقَالَ: (الفَارُّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟!).
ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهَا.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مَرَّ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهَا بِالأَمْسِ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ قَوْلِهِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ مَرَّ بِهَا وَقَدْ يَئِسَتْ مِنْهُ فَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا، فَأَشَارَ لَهَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ قُومِي إِلَيْهِ وَكَلِّمِيهِ ... فَقَامَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: (قَدْ فَعَلْتُ).
فَقَالَتْ: إِنِّي أُرِيدُ اللَّحَاقَ بِأَهْلِي فِي الشَّامِ.
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَكِنْ لَا تَعْجَلِي بِالخُرُوجِ حَتَّى تَجِدِي مَنْ تَثِقِينَ بِهِ مِنْ قَوْمِكِ لِيُبَلِّغَكِ بِلَادَ الشَّامِ، فَإِذَا وَجَدْتِ الثِّقَةَ فَأَعْلِمِينِي).
وَلَمَّا انْصَرَفَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَتْ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهَا أَنْ تُكَلِّمَهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَقَامَتْ حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ فِيهِمْ مَنْ تَثِقُ بِهِ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ قَدِمَ رَهْطٌ(١) مِنْ قَوْمِي لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلاَغٌ(٢)، فَكَسَاهَا الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَمَنَحَهَا نَاقَةً تَحْمِلُهَا، وَأَعْطَاهَا نَفَقَةً تَكْفِيهَا، فَخَرَجَتْ مَعَ الرَّكْبِ.
(١) رهط: جماعة.
(٢) بلاغ: قدرة على إيصالي إلى أهلي.
138