109

صور من حياة الصحابة

الناشر

دار الأدب الاسلامي

رقم الإصدار

الأولى

فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّ رَجُلاً عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلاً ((بِنَصِيبِينَ))(١) وَهُوَ فُلَانٌ فَالْحَقْ بِهِ.

فَلَمَّا غُيِّبَ الرَّجُلُ فِي لَحْدِهِ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ (نَصِيبِينَ) وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَمَا أَمَرَّنِي بِهِ صَاحِبِي، فَقَالَ لِي:

أَقِمْ عِنْدَنَا ... فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ مِنَ الخَيْرِ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ:

لَقَدْ عَرَفْتَ مِنْ أَمْرِي مَا عَرَفْتَ؛ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟

فَقَالَ: أَيْ بُنَيّ، وَاللَّهِ إِنِّي مَا أَعْلَمُ أَحَداً بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا إِلَّا رَجُلاً (بِعَمُّورِيَّةَ)(٢) هُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ، فَلَحِقْتُ بِهِ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ:

أَقِمْ عِنْدِي ... فَأَقَمْتُ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ - وَاللَّهِ - عَلَى مِثْلِ أَصْحَابِهِ، وَقَدِ اكْتَسَبْتُ وَأَنَا عِنْدَهُ بَقَرَاتٍ وَغُنَيْمَةً.

ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ مَا نَزَلَ بِأَصْحَابِهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ:

إِنَّكَ تَعْلَمُ مِنْ أَمْرِي مَا تَعْلَمُ؛ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ ... وَمَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ؟

فَقَالَ: يَا بُنَيَّ - وَاللَّهِ - مَا أَعْلَمُ أَنَّ هُنَاكَ أَحَداً مِنَ النَّاسِ بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مُسْتَمْسِكاً بِمَا كُنَّا عَلَيْهِ ...

وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّ (٣) زَمَانٌ يَخْرُجُ فِيهِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ نَبِيٌّ يُبْعَثُ بِدِينٍ

(١) نصيبين: مدينة على طريق القوافل من الموصل إلى الشام، وتبعد عن الموصل ستة أيام.

(٢) عمورية: انظر وقعة عمورية في كتاب ((حدث في رمضان)) للمؤلف.

(٣) أَظَلَّ: أي دنا وقرب.

113