وَاللَّهِ مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ لَهَا بِهِ قَطُّ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُمْ إِيَّاهُ ؟ ! .
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنَا أُسْمِعُهُمْ إِيَّاهُ .
فَقَالُوا: إِنَّا نَخْشَاهُمْ عَلَيْكَ، إِنَّمَا تُرِيدُ رَجُلاً لَّهُ عَشِيرَةٌ، تَحْمِيهِ وَتَمْنَعُهُ مِنْهُمْ إِذَا أَرَادُوهُ بِشَرٍّ.
فَقَالَ: دَعُونِي فَإِنَّ اللَّهَ سَيَمْنَعُنِي وَيَحْمِيني ...
ثُمَّ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فِي الضُّحَى، وَقُرَيْشٌ جُلُوسٌ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَوَقَفَ عِنْدَ الْمَقَامِ وَقَرَأَ:
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - رَافِعاً بِهَا صَوْتَهُ - الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾(١) ...
وَمَضَى يَقْرَؤُهَا، فَأَمَّتْهُ قُرَيْشٌ وَقَالَتْ: مَاذَا قَالَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ ؟ !...
تَبّاً لَهُ(٢) ... إِنَّهُ يَتْلُو بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ...
وَقَامُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ وَجْهَهُ وَهُوَ يَقْرَأُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْهُ، فَقَالُوا لَهُ:
هَذَا الَّذِي خَشِينَا عَلَيْكَ .
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَانَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَهْوَنَ فِي عَيْنِي مِنْهُمُ الآنَ، وَإِنْ شِئْتُمْ لَأُغَادِيَهُمْ(٣) بِمِثْلِهَا غَداً، قَالُوا :
(١) سورة الرحمن: آية ١ - ٤.
(٢) تباً له: هلاكاً له.
(٣) لأغادينهم: لأُخرجنَّ لهم في صباح اليوم التالي.
106