ولذا فسوف يبدأ الهجوم في الجمعية في اليوم التالي ديوبيثس بنفسه، ولن تكون به حاجة إلى أن يقول شيئا عن أنكسجوراس، وإنما يكتفي بأن يقترح قانونا جديدا ضد الأفراد الذين لا يمارسون الدين، وينشرون النظريات عن «الأشياء العليا»، ومن المؤكد أن يوافق المجلس على القانون، كم من الأعضاء يود أن يعارضه ويسمى بالملحد كذلك؟ وعندئذ يستطيع رجال السياسة أن ينقذوا في المحاكم ما يبقى بعد ذلك، وسيكون هذا كله عملا مشروعا.
ولما فرغ ديون من الإفضاء بهذه الخطة ثارت مناقشة حادة، ودافع عن أنكسجوراس بشدة - أحد رفاق سقراط - وهو أجنبي يدعى فيلينس طوف كثيرا وآمن بالآراء المتقدمة، ووجه خطابه إلى ديون قائلا: «مهما يكن من شيء، فإن ما يقال عن الشمس والقمر قد يكون صادقا إذا لم تكن هناك حجارة في العلا، فمن أين إذن جاء الحجر الأسود عند نهر الماعز؟»
وقال ديون غاضبا: «ليس من شأننا أن نبحث في مثل هذه الأمور، أنصحك أن تترك الآلهة وشأنها، وليس للناس أن يتساءلوا، سواء كانت هناك حجارة أو لم تكن، هل تريد أن تغضب الآلهة وتجلب للمدينة الطاعون والخراب؟»
وأجاب فيلينس في هدوء: «سل أي طبيب حاذق ينبئك أن الطاعون إنما يأتي إذا فسد الماء أو الهواء، أما عن «الخراب» فأيا كان ما تعني به، ألم يكن حكيمكم الخاص سولون هو الذي قال بأن مدينتكم لن تفنى بإرادة الآلهة، وإنما تفنى بحماقة مواطنيها وشراهتهم؟»
وكان هذا الكلام شديدا على نفس ديون، ثم أطلق على كل كافر فيضا من اللعنات المقدسة، وكان فيلينس بانتظاره عندما أفرغ ما بجعبته من ألفاظ.
فقال: «إنك تتحدث كأنك تألف الآلهة ألفة كبرى، هل رأيت إلها قبل اليوم؟ هل لمست إلها؟ هل تستطيع أن تخبرني بحادث واحد في الحاضر ولا أقول في الماضي، لا يمكن أن تعلله بالأسباب الطبيعية؟»
وكان أكثر الحاضرين معارضين لديون ومبالغته في التقوى، غير أن فيلينس قد غالى كثيرا هذه المرة، وعلت بالاحتجاج الصيحات، وبدءوا جميعا يتكلمون في صوت واحد، وأخيرا رفع سفرونسكس يده يطلب الصمت، وكان رجلا مسنا يحب أن يسود بيته السلام.
وتبسم قائلا: «ربما كان كلا الجانبين مصيبا من ناحية، وربما عرف أنكسجوراس حقيقة الشمس كما يقول فيلينس، وأذكر أنني سمعت بشيء من هذا في شبابي، قد لا يكون حجارة أو ترابا، ولكنه بخار ملتهب، وهو ما لا يقل مروقا على الدين عما زعم أنكسجوراس، غير أنا لم نحسب الموضوع في ذلك الحين مما يعرض على محاكم القضاء.»
ورد عليه ديون محتجا.
وواصل سفرونسكس حديثه مشيرا بإصبع طويلة وقال: «تمهل قليلا، قلت: إننا لم نحسب الموضوع مما يعرض على محاكم القضاء «في ذلك الحين»، وقد يكون الأمر على خلاف ذلك اليوم، ولست أحب الطريقة التي يتحدث بها فيلينس، وعندما أتلفت حولي إلى الشباب الناهض في هذه الأيام - وخذ على سبيل المثال كليون ابن الدباغ، بلسانه الحاذق اللاذع، وكراهيته لكل من يعلوه - أتساءل قائلا : أليس قليل من خوف الآلهة القديم مدعاة للسلامة، ولكن الزمن قد تغير ... أجل، لقد تغير الزمن»، ثم استمر في الكلام، وكأنما يتحدث إلى نفسه، وقال: «أذكر كيف كان إحساسنا بعد انتصارنا بحرا في سلامس، عندما أبحر الفرس مبتعدين، وعرفنا أننا أصبحنا أحرارا، «عرفنا» أن الآلهة كانت معنا آنئذ، وما كان لأحد أن يحدثنا بغير ذلك، وماذا كان يهمنا من الشمس والقمر وما إليهما؟ أما الآن أجل، قد يكون ديون على صواب، وربما كان ما زعم ضرورة لكي تحتفظ العقيدة القديمة بحياتنا، من يستطيع أن يحدثنا عما يمكن أن يكون لخير المدينة في مثل هذه الأوقات؟»
صفحة غير معروفة