التوسل في كتاب الله عز وجل
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة والثلاثون
سنة النشر
١٢٤ - ١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م.
تصانيف
إبراهيم ﵇ والذين آمنوا معه، ولندع المجال للإمام أبي الفداء ابن كثير ﵀ وهو يقول: “ثم قال تعالى مخبرًا عن قول إبراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبرءوا منهم، فلجؤوا إلى الله وتضرعوا إليه فقالوا ﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا﴾ ١ أي توكلنا عليك في جميع الأمور وسلمنا أمورنا إليك وفوضناها إليك ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ أي المعاد في الدار الآخرة ﴿رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ٢ قال مجاهد: “معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا”، وكذا قال الضحاك، وقال قتادة: “لا تظهرهم علينا فيفتنونا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه”، واختاره ابن جرير، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: “لا تسلطهم علينا فيفتنونا”، وقوله تعالى: ﴿وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٣ أي واستر ذنوبنا عن غيرك، واعف عنها فيما بيننا وبينك ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ﴾ أي الذي لا يضام من لاذ بجنابك ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أقوالك وأفعالك، وشرعك وقدرك” ٤.
فهذا إبراهيم خليل الرحمن ﵇ ومن معه من أهل الإيمان فارقوا قومهم طاعة لله ﷿، وهربًا بدينهم من الفتنة، وطلبًا لمكان يقيمون فيه شرع الله ﷿، ويظهرون شعائر الإيمان، فبعد أن قدموا هذه الوسيلة العظيمة دعوا الله ﷿ مظهرين اعتمادهم على ربهم، وتفويضهم أمورهم إليه، وأبانوا عن إنابتهم إلى ربهم ورجوعهم إليه، وعدم التفاتهم إلى ما سواه؛ إذ
_________
١ الممتحنة: ٤
٢ الممتحنة: ٥
٣ الممتحنة: ٥
٤ تفسير ابن كثير ٤/٣٤٨.
1 / 52