ذيل ابن العراقي على العبر
محقق
صالح مهدي عباس
الناشر
مؤسة الرسالة
رقم الإصدار
الأولي
سنة النشر
١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م
مكان النشر
بيروت
تصانيف
المؤلّف
الحافظ وليّ الدّين العراقيّ
اسمه ونسبه:
هو وليّ الدّين أبو زرعة أحمد (^١) بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم الكرديّ الأصل، المهرانيّ القاهريّ المعروف بابن العراقيّ (^٢).
_________
(^١) ترجمته في: ذيل التقييد، الورقة ١٠٨ أ-١٠٩ أ، ودرر العقود الفريدة، الورقة ٩٥ ب-٩٦ أ. والسلوك: ٤/ ٢/٦٥١ - ٦٥٢، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، الورقة ١٥٣ ب-١٥٤ أ، وإنباء الغمر: ٨/ ٢١+٢٢، ورفع الإصر: ١/ ٨١ - ٨٣، وبهجة الناظرين، الورقة ٧٤ ب-٧٦ أ، ولحظ الألحاظ: ٢٨٤ - ٢٩١، والدليل الشافي: ١/ ٥٣، والمنهل الصافي: ١/ ٣١٢ - ٣١٥، والنجوم الزاهرة: ١٤/ ٢٠٤ - ٢٠٥، والإعلان بالتوبيخ: ٧٠٢ و٧٢١، والضوء اللامع: ١/ ٣٣٦ - ٣٤٤، وحسن المحاضرة: ١/ ٣٦٣، وذيل طبقات الحفاظ: ٣٧٥ - ٣٧٦، وطبقات الحفاظ للسيوطي: ٥٤٣، وبدائع الزهور: ٢/ ٨٧، وطبقات المفسرين: ١/ ٤٩ - ٥٠، ودرّة الحجال: ١/ ٢١، وكشف الظنون: ١٢، ٦٣، ١١٧، ١٦٦، ٣٦٤، ٣٧٦، ٤٦٤، ٥٩٥، ٦٢٧، ٧٦١، ١٠٠٥، ١٠٤٢، ١١٢٤، ١٢٧٩، ١٣٦٨، ١٤٨٠، ١٥١١، ١٥٤١، ١٥٨٣، ١٨٦٧، ١٨٨٠، ١٩١٥، ١٩٧٧، وشذرات الذهب: ٧/ ١٧٣، والبدر الطالع: ١/ ٧٢ - ٧٤، والرسالة المستطرفة: «انظر فهارس الكتاب» وفهرس الفهارس: ٢/ ٤٣٥ - ٤٣٦، وإيضاح المكنون: ١/ ٤٦، ٥٤، ٧٢، و٢/ ٨٣، وهدية العارفين: ١/ ١٢٣، والأعلام: ١/ ١٤٨، ومعجم المؤلفين: ١/ ٢٧٠ - ٢٧١، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية): ٢/ ٦٦ - ٦٧ (الأصل).
(^٢) لخّصنا هذه الدراسة من بحث شامل كتبناه عن حياة الحافظ وليّ الدّين وآثاره ومنهجه في كتابه «الذيل على العبر» سننشره قريبا إن شاء الله تعالى.
1 / 7
ولادته ونشأته:
ولد في سحر يوم الاثنين ثالث ذي الحجّة سنة اثنتين وستّين وسبع مئة بالقاهرة، في بيت عرف بالعلم والمعرفة، وتميّز فيه غير واحد من أفراده، فقد كان جدّه الحسين بن عبد الرحمن ممّن صحب الشيخ تقيّ الدّين القنائيّ واختص بخدمته، وأحضر ولده عبد الرحيم عليه، وتوفي سنة ٧٢٨ هـ (^١)، ووالده الحافظ المتقن العلامة زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم، فريد دهره ووحيد عصره، شهد له بالتفرد في فنه أئمة عصره وأوانه، سمع الكثير وأخذ عنه الجم الغفير، وتوفي سنة ٨٠٦ هـ (^٢)، ووالدته أم أحمد عائشة بنت طغاي العلائيّ، كانت خيّرة صالحة، رحلت مع زوجها عبد الرحيم إلى الشام سنة ٧٦٥ هـ، وسمعت معه من الشيوخ، وجاورت مع زوجها بالحرمين الشريفين، وتوفيت سنة ٧٨٣ هـ (^٣).
في هذا البيت الأصيل نشأ وليّ الدين وترعرع في كنف والده الذي رعاه رعاية خاصة منذ نعومة أظفاره وصرفه إلى العلم فأنشأه نشأة علمية متميزة، فكان شيخه الأول الذي سمع منه وأول ما بصرت عينه من شيوخ الدرس والتعليم. وتوسم الوالد في ولده حبّ العلم ورغبته فيه، فبكر به يصحبه معه إلى مجالس العلماء على عادة أهل عصره، فأحضره على كثير من علماء القاهرة كان في طليعتهم: أبو الحرم القلانسيّ (^٤)، والمحبّ أبو
_________
(^١) لحظ الألحاظ: ٢٢٠ - ٢٢١.
(^٢) إنباء الغمر: ٢/ ٢٧٥، والضوء اللامع: ٤/ ١٧١، وحسن المحاضرة: ١/ ٣٦٠.
(^٣) الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٨٣ هـ، ومصادر الترجمة.
(^٤) فتح الدّين أبو الحرم محمّد بن محمّد بن أبي الحرم القلانسيّ المصريّ المتوفى سنة ٧٦٥ هـ (وفيات ابن رافع: ٢/الترجمة ٨١١، والسلوك: ٣/ ١/٩٤، والدرر الكامنة: ٤/ ٣٥٣).
1 / 8
العبّاس الخلاطيّ (^١)، وناصر الدّين التّونسيّ (^٢)، والشّهاب ابن العطّار (^٣)، والعزّ ابن جماعة (^٤)، والجمال ابن نباتة (^٥)، وخلق.
رحلاته وشيوخه:
ولمّا بلغ وليّ الدّين الثّالثة من عمره-أعني سنة ٧٦٥ هـ-رحل به أبوه إلى الشّام-وهي أوّل رحلة لوليّ الدّين-فأحضره بها على عدد من علمائها البارعين وحفّاظها المتميّزين منهم الحافظان شمس الدّين الحسينيّ (^٦)
_________
(^١) الشيخ محبّ الدّين أبو العبّاس أحمد بن يوسف بن أحمد بن عمر الخلاطيّ القاهريّ المتوفى سنة ٧٦٧ هـ (وفيات ابن رافع: ٢/الترجمة ٨٣٩، والدرر الكامنة: ١/ ٣٥٩).
(^٢) القاضي ناصر الدّين أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن أبي القاسم الرّبعيّ التّونسيّ المتوفى سنة ٧٦٣ هـ (وفيات ابن رافع: ٢/الترجمة ٧٦٤، والذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٣ هـ).
(^٣) شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أبي بكر العسقلانيّ ابن العطّار المتوفى سنة ٧٦٣ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٣ هـ، والدرر الكامنة: ١/ ٢٧٣ - ٢٧٤).
(^٤) قاضي القضاة عزّ الدّين أبو عمر عبد العزيز بن محمّد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكنانيّ المتوفى سنة ٧٦٧ هـ (ذيل التذكرة: ٤١ - ٤٣، والبداية والنهاية: ١٤/ ٣١٩، والعقد الثمين: ٥/ ٤٥٧ - ٤٦٠).
(^٥) الأديب المشهور جمال الدّين أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن محمّد بن الحسن بن نباتة الفارقيّ المصريّ المتوفى سنة ٧٦٨ هـ (الوافي بالوفيات: ١/ ٣١١ - ٣٣١، والذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٨ هـ، والسلوك: ٣/ ١/١٤٧).
(^٦) السّيّد الشّريف شمس الدّين أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن الحسن الحسينيّ الدمشقيّ المتوفى سنة ٧٦٥ هـ (البداية والنهاية: ١٤/ ٣٠٧، والذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٥ هـ، وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة، الورقة ١٢٩ ب).
1 / 9
وتقيّ الدّين ابن رافع (^١)، والمحدّث أبو الثّناء المنبجيّ (^٢)، وأبو حفص الشّحطبيّ (^٣)، والشّرف ابن يعقوب الحريريّ (^٤)، والعماد ابن الشّيرجيّ (^٥)، والمسند ابن أميلة (^٦)، وابن الهبل (^٧)، وابن السّوقيّ (^٨)، وستّ العرب بنت
_________
(^١) تقيّ الدّين أبو المعالي محمّد بن رافع بن هجرس السّلاّميّ الشّافعيّ المتوفى سنة ٧٧٤ هـ (الوافي بالوفيات: ٣/ ٦٨ - ٦٩، وذيل تذكرة الحفاظ: ٥٢ - ٥٤، ومقدمة كتاب «الوفيات» له بتحقيقنا: ١/ص ١٣ - ٥١).
(^٢) الشّيخ المحدّث شمس الدّين أبو الثّناء محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجيّ الدمشقيّ المتوفى سنة ٧٦٧ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٧ هـ، والسلوك: ٣/ ١/١٢٥).
(^٣) المسند أبو حفص عمر بن محمد بن أبي بكر بن أبي النّور الشّحطبيّ الدمشقيّ المتوفى سنة ٧٦٥ هـ (وفيات ابن رافع: ٢/الترجمة ٨٢٥، والذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٥ هـ).
(^٤) الشّيخ المسند شرف الدّين يعقوب بن يعقوب بن إبراهيم البعليّ الحريريّ الدمشقيّ المتوفى سنة ٧٦٦ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٦ هـ، والدرر الكامنة: ٥/ ٢١١).
(^٥) عماد الدّين أبو عبد الله محمّد بن موسى بن سليمان بن محمّد الأنصاريّ الدمشقيّ ابن الشّيرجيّ المتوفى سنة ٧٧٠ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٧٠ هـ، والدرر الكامنة: ٥/ ٣٨).
(^٦) الشّيخ أبو حفص عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة المراغيّ الحلبيّ المزّيّ المتوفى سنة ٧٧٨ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٧٨ هـ، والدرر الكامنة: ٣/ ٢٣٥ - ٢٣٦، وشذرات الذهب: ٦/ ٢٥٨).
(^٧) بدر الدّين أبو محمّد الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصّرخدّي ثم الصّالحي الدّقّاق المعروف بابن الهبل المتوفى سنة ٧٧٩ هـ (الدرر الكامنة: ٢/ ٩٤، والقلائد الجوهرية: ٢/ ٤٠٥، وشذرات الذهب: ٦/ ٢٦١).
(^٨) الشّيخ المسند عزّ الدّين أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر بن عليّ الصّالحيّ المعروف بابن السّوقيّ المتوفى سنة ٧٧٣ هـ (إنباء الغمر: ١/ ٢٩ - ٣٠، والدرر الكامنة: ٤/ ٢٥ - ٢٦، وشذرات الذهب: ٦/ ٢٢٩).
1 / 10
ابن البخاري (^١)، وغيرهم.
ثمّ واصل والده رحلته إلى بيت المقدس فأحضر ولده على الإمام المسند برهان الدّين الزّيتاويّ (^٢)، ومحمّد بن حامد (^٣) وغيرهما.
وكان والده قد استحصل له إجازة عدد من العلماء الشّاميّين في وقت منهم: علاء الدين العرضيّ (^٤)، وابن الجوخيّ (^٥)، وابن شيخ الدّولة (^٦) في آخرين.
ولمّا عاد من هذه الرّحلة برفقة والده إلى القاهرة، سارع إلى حفظ
_________
(^١) الشّيخة المسندة ستّ العرب بنت محمّد ابن فخر الدّين عليّ بن أحمد ابن البخاريّ المقدسيّة الصّالحيّة، توفيت سنة ٧٦٧ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٧ هـ، والدرر الكامنة: ٢/ ٢٢٠، والقلائد الجوهرية: ٢/ ٣٠٧).
(^٢) المسند المعمّر برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن أحمد الزّيتاويّ النّابلسيّ المتوفى سنة ٧٧٢ هـ (وفيات ابن رافع: ٢/الترجمة ٩١٨، والذيل على العبر: وفيات سنة ٧٧٢، والدرر الكامنة: ١/ ٣٠).
(^٣) شمس الدّين أبو عبد الله محمّد بن حامد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسيّ الشّافعيّ المتوفى سنة ٧٨٢ هـ (الدرر الكامنة: ٤/ ٣٧، والأنس الجليل: ٢/ ١٢٦).
(^٤) المسند المكثر علاء الدّين أبو الحسن عليّ بن أحمد بن محمّد بن صالح العرضيّ الدّمشقيّ المتوفى سنة ٧٦٤ هـ (وفيات ابن رافع: ٢/الترجمة ٧٨٥، وتاريخ ابن قاضي شهبة، ١/الورقة ١٧٠ ب، والدرر الكامنة: ٣/ ٨٨).
(^٥) المسند بدر الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمود الدّمشقيّ المعروف بابن الزّقّاق وبابن الجوخيّ المتوفى سنة ٧٦٤ هـ (البداية والنهاية: ١٤/ ٣٠٢ - ٣٠٣، والذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٤ هـ، والسلوك: ٣/ ١/٨٩).
(^٦) شرف الدّين أبو حفص عمر بن علي بن أبي بكر بن الحسن السّيوطيّ المعروف بابن شيخ الدّولة المتوفى سنة ٧٦٩ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٩ هـ، والدرر الكامنة: ٣/ ٢٥٧).
1 / 11
القرآن الكريم، وحفظ عددا من المختصرات والمتون في فنون شتّى، ثمّ بادر فطلب بنفسه واجتهد في استيفاء شيوخ الدّيار المصريّة؛ وأخذ عمّن دبّ ودرج (^١)، وكان من أبرز شيوخه: أبو البقاء السّبكيّ (^٢)، والبهاء ابن خليل (^٣)، والحراويّ (^٤)، والبهاء ابن المفسّر (^٥)، وجويرية (^٦)، والباجيّ (^٧)، وغيرهم.
ولمّا دخلت سنة ثمان وستّين وسبع مئة رحل إلى مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة مع أبيه، وكان قد رافقهما في هذه الرّحلة الإمام الشّيخ شهاب الدّين أحمد بن لؤلؤ ابن النّقيب (^٨)، فخرجوا من القاهرة إلى المدينة
_________
(^١) الضوء اللامع: ١/ ٣٣٧.
(^٢) بهاء الدّين أبو البقاء محمّد بن عبد البرّ بن يحيى بن عليّ بن تمّام الأنصاريّ السّبكيّ المتوفى سنة ٧٧٧ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٧٧ هـ، والدرر الكامنة: ٤/ ١٠٩ - ١١٠، وبغية الوعاة: ١/ ١٥٢).
(^٣) بهاء الدّين أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن أبي بكر بن خليل الأمويّ العثمانيّ المتوفى سنة ٧٧٧ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٧٧ هـ، وإنباء الغمر: ١/ ١٦٨ - ١٧١، وحسن المحاضرة: ١/ ٣٥٩).
(^٤) المسند المعمّر ناصر الدّين محمّد بن عليّ بن يوسف بن إدريس الكرديّ الحراويّ المتوفى سنة ٧٨١ هـ (الذيل على العر: وفيات سنة ٧٨١ هـ، والدرر الكامنة: ٤/ ٢١٦، والنجوم الزاهرة: ١١/ ٢٠٠).
(^٥) بهاء الدّين محمّد بن محمّد بن محمّد بن محمّد بن عبد الواحد الأرتاحيّ المصريّ المعروف بالمفسّر المتوفى سنة ٧٧٨ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٧٨ هـ، وإنباء الغمر: ١/ ٢٢٥، وتاريخ ابن قاضي شهبة، ١/الورقة ٢٤٣ أ).
(^٦) الشّيخة الصّالحة جويرية بنت أحمد بن موسى الهكّاريّة توفّيت سنة ٧٨٣ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٨٣ هـ، والسلوك: ٣/ ٢/٤٦، وإنباء الغمر: ٢/ ٦٨ - ٦٩).
(^٧) جمال الدّين عبد الله بن عليّ بن محمّد بن عبد الرّحمن بن خطّاب الباجيّ المتوفى سنة ٧٨٨ هـ (إنباء الغمر: ٢/ ٢٣٦، والدرر الكامنة: ٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤).
(^٨) توفي سنة ٧٦٩ هـ، وقد سمع عليه الحافظ وليّ الدّين كثيرا وانتفع بصحبته. -
1 / 12
النّبويّة، فسمع بها وليّ الدّين على البدر ابن فرحون (^١) وأقاموا بها مدّة، ثمّ واصلوا السّير إلى مكّة المكرّمة فسمع بها على أبي الفضل النّويريّ (^٢)، ومحمّد بن عبد المعطي (^٣)، وأحمد بن سالم بن ياقوت (^٤) وأمّ الحسن فاطمة بنت أحمد الحرازيّ (^٥)، والعفيف النّشاوريّ (^٦) والكمال محمّد بن حبيب (^٧) والبهاء ابن عقيل النّحويّ (^٨) وخلق سواهم.
_________
= (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٩ هـ).
(^١) بدر الدّين أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن أبي القاسم فرحون بن محمّد بن فرحون اليعمريّ الأندلسيّ المدنيّ المتوفى سنة ٧٦٩ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٦٩ هـ، والدرر الكامنة: ٢/ ٤٠٦، والتحفة اللطيفة: ٣/ ٥٣).
(^٢) كمال الدّين أبو الفضل محمّد بن أحمد بن عبد العزيز العقيليّ النّويريّ الشّافعيّ المتوفى سنة ٧٨٦ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٨٦ هـ، وإنباء الغمر: ٢/ ١٧٤ - ١٧٥، والنجوم الزاهرة: ١١/ ٣٠٣).
(^٣) المسند المعمّر جمال الدّين أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عبد الله بن عبد المعطي الانصاريّ المكيّ المتوفى سنة ٧٧٦ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٧٦ هـ، وتاريخ ابن قاضي شهبة، ١/الورقة ٢٢٥ ب-٢٢٦ أ، ولحظ الألحاظ: ١٦٤).
(^٤) أبو العبّاس أحمد بن سالم بن ياقوت المكّيّ المتوفى سنة ٧٧٨ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٧٨ هـ، وإنباء الغمر: ١/ ٢٠١، وشذرات الذهب: ٦/ ٢٥٥).
(^٥) الشّيخة الصّالحة أمّ الحسن فاطمة بنت أحمد بن قاسم بن عبد الرّحمن الحرازيّ المكّيّة توفّيت سنة ٧٨٣ هـ (الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٨٣ هـ، وإنباء الغمر: ٢/ ٧٧، وشذرات الذهب: ٦/ ٢٨٠).
(^٦) عفيف الدّين عبد الله بن محمّد بن محمّد بن سليمان النّيسابوريّ الأصل ثم المكيّ المعروف بالنّشاوريّ المتوفى سنة ٧٩٠ هـ (إنباء الغمر: ٢/ ٣٠٠ - ٣٠١، والدرر الكامنة: ٢/ ٤٠٧ - ٤٠٨، وشذرات الذهب: ٦/ ٣١٣).
(^٧) المسند الأصيل كمال الدين محمّد بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبيّ المتوفى سنة ٧٧٧ هـ (السلوك: ٣/ ١/٢٦٠، والدرر الكامنة: ٤/ ٢٢٢، وشذرات الذهب: ٦/ ٢٥٥).
(^٨) بهاء الدّين أبو محمّد عبد الله بن عبد الرّحمن بن عقيل الآمديّ المصريّ النّحويّ-
1 / 13
ثمّ عاود الرّحلة إلى الشّام ثانيا، وذلك بعد سنة ثمانين وسبع مئة بصحبة رفيق والده وصديقه الحميم الحافظ نور الدّين الهيثميّ (^١)، وعند وصولهما الشّام كانت تلك الطّبقة من العلماء التي سمع عليها أوّل مرّة -أعني سنة ٧٦٥ هـ-قد اختارهم الله تعالى إلى جواره فأخذ عن الموجودين من علماء دمشق منهم الحافظ أبو بكر ابن المحبّ (^٢) وناصر الدّين ابن حمزة (^٣) وغيرهما.
وفي سنة اثنتين وعشرين وثمان مئة رحل وليّ الدّين إلى مكّة المكرّمة لأداء فريضة الحجّ؛ ولكنّه كان في هذه الرّحلة أستاذا لا طالبا، كما هو شأنه في الرّحلات السّابقة، فقد كان في قمّة نضوجه الفكري والعلمي فأملى في مكّة المكرّمة والمدينة النبويّة عدّة مجالس حضرها جمع كبير من العلماء والطّلبة.
وفي الحقيقة أن الإمام وليّ الدين من العلماء الذين عرفوا بكثرة السّماع والشّيوخ والاختلاف إلى دور العلم وحلقات الدّروس، وما أصدق ما وصفه به السّخاويّ حين قال: «وأخذ عمّن دبّ ودرج» من حيث كثرة المسموعات والشّيوخ، إلاّ أنّه في الوقت نفسه لازم وليّ الدّين عددا من
_________
= المتوفى سنة ٧٦٩ هـ (طبقات الشافعية للإسنوي: ٢/ ٢٣٩ - ٢٤٠، وغاية النهاية: ١/ ٤٢٨، والسلوك: ٣/ ١/١٦٥).
(^١) الحافظ نور الدّين أبو الحسن عليّ بن أبي بكر بن سليمان بن عمر الهيثميّ المتوفى سنة ٨٠٧ هـ (إنباء الغمر: ٢/ ٣٠٧، وطبقات الحفاظ: ٥٤١).
(^٢) الحافظ شمس الدين أبو بكر محمّد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله المقدسيّ الحنبليّ المتوفى سنة ٧٨٩ هـ (غاية النهاية: ٢/ ١٧٤، وإنباء الغمر: ١/ ٣٤٣، وطبقات الحفاظ: ٥٣٥).
(^٣) الحافظ ناصر الدّين أبو عبد الله محمّد بن عبد الرّحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسيّ الصّالحيّ المتوفى سنة ٨٠٣ هـ (إنباء الغمر: ٤/ ٣٢٥ - ٣٢٦، والضوء اللامع: ٧/ ٣٠٠).
1 / 14
العلماء المتميّزين في فنون شتّى مدّة طويلة حتّى عرف بملازمته لهم، وتخرّجه بهم، منهم:
١ - والده الحافظ زين الدّين عبد الرّحيم العراقي (ت ٨٠٦ هـ).
٢ - الفقيه شهاب الدّين أحمد بن لؤلؤ ابن النّقيب (ت ٧٦٩ هـ).
٣ - جمال الدّين عبد الرّحيم بن الحسن الإسنويّ (ت ٧٧٢ هـ).
٤ - جمال الدّين محمّد بن أحمد بن عبد المعطي المكّيّ (ت ٧٧٦ هـ).
٥ - شيخ النّحاة أحمد بن عبد الرّحيم التّونسيّ (ت ٧٧٨ هـ).
٦ - ضياء الدّين عبيد الله العفيفيّ القزوينيّ (ت ٧٨٠ هـ).
٧ - برهان الدّين إبراهيم بن موسى الأبناسيّ (ت ٨٠٢ هـ).
٨ - سراج الدّين عمر بن عليّ الأنصاريّ ابن الملقّن (ت ٨٠٤ هـ).
٩ - سراج الدّين عمر بن رسلان بن نصير البلقينيّ (ت ٨٠٥ هـ).
١٠ - الحافظ نور الدّين عليّ بن أبي بكر الهيثميّ (ت ٨٠٧ هـ).
وكان لهذه الملازمة أثرها في نفس وليّ الدّين فمال إلى الحديث والفقه وأصوله وصنّف الكثير فيها، وشارك أيضا مشاركة حسنة في علوم أخرى.
مكانته العلمية
ممّا لا شكّ فيه أن المنزلة العلميّة والمكانة الاجتماعيّة التي تبوأها والده الحافظ زين الدّين من جهة، وعنايته الشديدة بولده ورعايته له من جهة أخرى، كان لهما الأثر الواضح في تكوين شخصية وليّ الدّين العلميّة، ونبوغه مبكّرا ممّا جعله يحتل مكانة رفيعة بين أقرانه وعلماء عصره، لذا فقد برع في فنون شتّى من العلوم نال بها إعجاب شيوخه
1 / 15
واعتمادهم عليه في الإفتاء والتّدريس وهو ما يزال في سن الشّباب. واستمر يتعاظم شأنه ويتوقّد ذكاؤه حتّى علا شأنه، وذاع صيته، واشتهر بفضله ونباهته.
وليس غريبا أن تجد كتب التّراجم طافحة في الثّناء عليه والإشادة بعلمه بنصوص كثيرة من أقوال رفاقه ومعاصريه وتلامذته، فقد وصفه تلميذه تقيّ الدّين الفاسيّ بقوله: «وهو أكثر فقهاء عصرنا هذا حفظا للفقه وتعليقا له وتخريجا، وفتاويه على كثرتها مستحسنة ومعرفته للتفسير والعربيّة والأصول متقنة. وأمّا الحديث فأوتي فيه حسن الرّواية وعظيم الدّراية في فنونه» (^١) . وأشاد ابن تغري بردي بعلمه فقال: «كان إماما فقيها، عالما حافظا، محدّثا، أصوليّا، محقّقا، واسع الفضل، غزير العلم، كثير الاشتغال والإشغال» (^٢) . ومدحه ابن حجر فقال: «الإمام الحافظ شيخ الإسلام. . . اشتغل في الفقه، والعربيّة، والمعاني والبيان. . . وأقبل على التّصنيف فصنّف أشياء لطيفة في فنون الحديث» (^٣) . وأثنى عليه الدّاووديّ فقال: «ويرع في الفنون، وكان إماما محدّثا، حافظا فقيها، محقّقا، أصوليّا صالحا، له الخبرة التّامّة بالتّفسير، والعربيّة» (^٤) . وقال فيه بدر الدّين العينيّ: «كان عالما فاضلا، له تصانيف في الأصول، والفروع، وفي شرح الأحاديث، ويد طولى في الإفتاء. وكان آخر الأئمّة الشّافعيّة بالدّيار المصريّة» (^٥) .
إلى غيرها من النّصوص التي أوردها أصحابها في مصادر ترجمته، وكلّها إشادة بعلمه، وطيب سمعته واعتزاز بتصانيفه القيّمة (^٦) .
_________
(^١) ذيل التقييد، الورقة ١٠٨ ب.
(^٢) المنهل الصافي: ١/ ٣١٤.
(^٣) إنباء الغمر: ٨/ ٢١، ٢٢.
(^٤) طبقات المفسرين: ١/ ٥٠.
(^٥) الضوء اللامع: ١/ ٣٤١.
(^٦) وانظر أيضا من مصادر ترجمته: بهجة الناظرين، ولحظ الألحاظ، وحسن المحاضرة، وطبقات الحفاظ للسيوطي، وبدائع الزهور، وشذرات الذهب، والبدر الطالع.
1 / 16
قوّة حفظه وحدّة ذكائه
تميّز وليّ الدّين بقوة الحافظة، والذّكاء المفرط، والنّبوغ المبكّر، فقد أجمع المؤرّخون على أنّه من أحفظ أهل زمانه للحديث، وأتقنهم لروايته، وأعلمهم بأسانيده؛ وهذا ما أهّله للتّدريس والإفتاء في حياة والده وشيوخه، وهذا الذّكاء المتميّز هو الذي جعل والده يكتب له على بعض مسموعاته:
«أنّه سامع فيما حضره ببلاد الشّام» (^١) لما رأى فيه من الفطنة الكثيرة مع كونه كان في السّنة الثّالثة من عمره!، وقد جعله والده أيضا ثاني اثنين يرجع إليهما بعده في علم الحديث (^٢) . ومن أجل هذا فقد وصفه السّخاويّ بقوله: «وكان في تقريره للعلم كأنّه خطيب: فصاحة، وطلاقة، وإعرابا.
بل لو رام شخص كتابة ذلك تمكّن منها إن كان سريعها» (^٣) . وأثنى عليه ابن قاضي شهبة بقوله: «والجمع في حلقته متوفّر، وأكثر أيّامه يشتغل ويشغل. وتصنيفه ودروسه من محاسن الدّروس يجري فيها بدون تلعثم ولا توقّف» (^٤) . وأشاد به تقيّ الدّين ابن فهد فقال: «وصار يزداد فضلا مع ذكائه وتواضعه. . .» (^٥) . وقال السّخاويّ أيضا: «واستمر يترقّى لمزيد ذكائه حتّى ساد وأبدى، وأعاد» (^٦) .
وغير ذلك من أقوال المؤرّخين التي تدلّ دلالة قاطعة على قوّة حفظه، وحدّة ذكائه، وتفوّقه على أقرانه.
_________
(^١) ذيل التقييد، الورقة ١٠٨ ب، والضوء اللامع: ١/ ٣٤١.
(^٢) الضوء اللامع: ١/ ٣٤١ وقد جعل والده الأول ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ هـ.
(^٣) الضوء اللامع: ١/ ٣٤١.
(^٤) طبقات الشافعية له، الورقة ١٥٣ أ-ب، والضوء اللامع: ١/ ٣٤١.
(^٥) لحظ الألحاظ: ٢٨٧.
(^٦) الضوء اللامع: ١/ ٣٣٨.
1 / 17
مكانته الاجتماعيّة
إلى جانب المكانة العلميّة المتميّزة التي تمتّع بها وليّ الدّين، كانت له مكانة اجتماعيّة مرموقة في نفوس معاصريه وتلامذته وكلّ من عرفه أو ارتبط معه بوشيجة من علم أو عمل، فقد أثنى عليه مترجموه ووصفوه بكثير من عبارات المدح والثّناء والتّخلّق بجميل الصّفات، والإكثار من النّصح لأصحابه، والصّبر على الإسماع من غير ملل ولا ضجر، والبشر والبشاشة لمن يقصده.
هذا إلى جانب الإشادة بأخلاقه، وفضله، وأمانته، وعفّته، وزهده، وورعه، وديانته. والحقّ كذلك فقد كان-﵀-عالما فاضلا، جليل القدر، عظيم الشّأن، على جانب كبير من حسن الخلق والخلق، وشرف النّفس والتّواضع، فقد أثنى عليه السّخاويّ بقوله: «واشتهر بفضله، وبهر عقله، مع حسن خلقه وخلقه، ونور خطّه، ومتين ضبطه، وشرف نفسه، وتواضعه، وشدّة انجماعه، وصيانته، وديانته، وأمانته، وعفّته، وطيب نغمته، وضيق حاله، وكثرة عياله» (^١) . وذكره أيضا في موضع آخر فقال:
«وكان يحضّ أصحابه على الاهتمام بإجابة من يلتمس منهم الشّفاعة عنده عملا بالسّنّة، وليكون لهم عند المسؤول له بذلك أياد، وقام جماعة عليه حتى ألزموه بتفصيل الرّفيع من الثّياب، وقرّروا له أنّ في ذلك قوّة للشّرع، وتعظيما للقائم به، وإلا فلم يكن عزمه التّحوّل عن جنس لباسه قبله» (^٢) .
ومدحه ابن تغري بردي فقال: «وكان ذا شكالة حسنة، منوّر الشّيبة، مدوّر اللّحية، متواضعا، عذب اللّفظ، قليل الكلام إلاّ فيما يعنيه، ديّنا، خيّرا، مشكور السّيرة، عفيفا» (^٣) . وأشاد به ابن حجر فقال: «وكان من خير أهل
_________
(^١) الضوء اللامع: ١/ ٣٣٨.
(^٢) الضوء اللامع: ١/ ٣٣٩.
(^٣) المنهل الصافي: ١/ ٣١٤.
1 / 18
عصره بشاشة، وصلابة في الحكم، وقياما في الحقّ، وطلاقة وجه، وحسن خلق، وطيب عشرة» (^١) . وقال فيه البرهان الحلبيّ: «هو عالم نشأ نشأة حسنة في غاية من اللّطافة والحشمة، وحسن الخلق والخلق، كثير الإشغال والاشتغال من أوّل عمره إلى آخره» (^٢) . ووصفه تقيّ الدّين ابن فهد فقال: «واشتهر بالفضل مع الدّين المتين، والانجماع، وحسن الخلق والخلق قلّ أن ترى العيون مثله» (^٣) .
وقد صدقوا فيما قالوا، فلم أر أحدا ممّن ترجم له أو تعرّض لسيرته نال منه في شيء من أمور دينه أو دنياه، أو شكّ في نزاهة أحكامه وعفّته طوال مدّة تولّيه القضاء.
مناصبه التّدريسيّة
مارس وليّ الدّين التّدريس في عدد من مدارس القاهرة ودور العلم فيها لما عرف عنه من سعة علم، وذكاء مفرط، وبراعة منقطعة النّظير أهّلته لتولّي تلك المناصب التي يصعب على الكثير من أقرانه الوصول إليها، وبخاصة إذا علمت أنّه درّس (^٤) منذ شبابه في حياة والده وشيوخه. وقد ذكرت مصادر (^٥) ترجمته عددا من المدارس التي تولّى وليّ الدّين مهام التّدريس فيها وهي: -
_________
(^١) إنباء الغمر: ٨/ ٢٢.
(^٢) الضوء اللامع: ١/ ٣٤١.
(^٣) لحظ الألحاظ: ٢٨٧.
(^٤) لقد ظهرت براعة وليّ الدّين الفائقة في التدريس من أول وهلة فبهرت أنظار الطلبة والحاضرين وكان من بينهم والده، فأنشد والده فيه: دروس أحمد خير من دروس أبه وذاك عند أبيه منتهى إربه
(^٥) انظر مثلا: ذيل التقييد، وإنباء الغمر، ورفع الإصر، والضوء اللامع.
1 / 19
١ - المدرسة الظّاهرية البيبرسيّة: -
هذه المدرسة بالقاهرة من جملة خطّ بين القصرين، كان موضعها من القصر الكبير يعرف بقاعة الخيّم، بناها الملك الظّاهر بيبرس البندقداري، وفرغ من عمارتها سنة ٦٦٢ هـ، وجلس أهل الدّروس كلّ طائفة في إيوان (فقهاء المذاهب الأربعة) وأهل الحديث بالإيوان الشرقي، والقراء بالقراءات السبع في الإيوان الغربي. (انظر: المواعظ والاعتبار:
٢/ ٣٧٨ - ٣٧٩) وقد درس وليّ الدين الحديث الشريف في هذه المدرسة.
٢ - المدرسة القانبيهيّة: -
هذه المدرسة بالقاهرة مجاورة لمدرسة شيخون أنشأها قانباي الدّوادار المؤيدي. (ذيل رفع الإصر:١٦١). وقد درس الحافظ الحديث الشريف في هذه المدرسة.
٣ - المدرسة القراسنقرية: -
تقع هذه المدرسة تجاه خانقاه سعيد السعداء فيما بين رحبة باب العيد وباب النصر من القاهرة، أنشأها الأمير شمس الدين قراسنقر بن عبد الله المنصوري سنة ٧٠٠ هـ، وبنى بجوار بابها مسجدا معلقا ومكتبا لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز، وجعل بهذه المدرسة درسا للفقهاء. (انظر:
المواعظ والاعتبار:٢/ ٣٨٨ - ٣٩٠) وقد درس وليّ الدين الحديث الشريف في هذه المدرسة.
٤ - جامع ابن طولون: -
يقع هذا الجامع بموضع يعرف بجبل يشكر من القاهرة، وابتدأ في بنائه الأمير أبو العباس أحمد بن طولون بعد بناء القطائع في سنة ٢٦٣ هـ.
وقد جدده الملك العادل لاجين في مطلع المئة الثامنة تقريبا ورتب فيه
1 / 20
دروسا لإلقاء الفقه على المذاهب الأربعة ودرسا يلقى فيه تفسير القرآن الكريم، ودرسا لحديث النبي ﷺ، ودرسا للطب. . . (المواعظ والاعتبار:
٢/ ٢٦٥ - ٢٦٩). وقد درس الحافظ الحديث الشريف في هذا الجامع.
٥ - المدرسة الجمالية الناصرية: -
هذه المدرسة برحبة باب العيد من القاهرة أنشأها الأمير جمال الدين الاستادار، ورتب فيها الفقهاء من المذاهب الأربعة، وأجلس الشيخ همام الدين محمد بن أحمد الخوارزميّ الشافعيّ على سجادة المشيخة وجعله شيخ التصوف ومدرس الشافعية. . . ثم صارت هذه المدرسة تعرف بالناصرية بعد ما كان يقال لها الجمالية. (انظر: المواعظ والاعتبار:
٢/ ٤٠١ - ٤٠٣). وقد درس الحافظ الفقه في هذه المدرسة وتولى مشيخة التصوف فيها.
٦ - المدرسة الفاضلية: -
هذه المدرسة بدرب ملوخيا من القاهرة بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليّ البيساني بجوار داره في سنة ثمانين وخمس مئة ووقفها على طائفتي الفقهاء الشافعية والمالكية وجعل فيها قاعة للإقراء (المواعظ والاعتبار:٢/ ٣٦٦ - ٣٦٧) وقد درس الحافظ الفقه في هذه المدرسة.
٧ - مسجد علم دار: -
لعله من الآثار الحسنة التي قام بها علم دار بن عبد الله الناصريّ، أحد أعيان أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكانت وفاته سنة ٧٩١ هـ (السلوك:٣/ ٢/٦٨٧، وإنباء الغمر:٢/ ٣٧٣). ودرّس الحافظ الفقه في هذا الجامع.
٨ - دار الحديث الكامليّة: -
هذه المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة، وتعرف أيضا بالمدرسة
1 / 21
الكاملية، أنشأها السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل أبي بكر الأيوبي سنة ٦٢٢ هـ ووقفها على المشتغلين بالحديث النبوي الشريف ثم من بعدهم على الفقهاء الشافعية (انظر: المواعظ والاعتبار: ٢/ ٣٧٥ - ٣٧٨).
كانت هذه المدرسة من جملة الجهات التي يقوم بها الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي والد الحافظ وليّ الدين فعند توليه قضاء المدينة النبوية وخطابتها عهد بها مع جميع جهاته إلى ولده الحافظ وليّ الدين، ولكن سرعان ما وثب عليه سراج الدين عمر ابن الملقن فانتزعها من الحافظ وليّ الدين خاصة دون غيرها. وتحرك وليّ الدين لمعارضته فتدخل شيخاه برهان الدين الأبناسيّ وسراج الدين البلقيني في الأمر لصالح ابن الملقن؛ فسكت، وطار بكل ذلك ذكره، وسار فيه فخره (^١) .
٩ - مجالس الإملاء: -
جلس وليّ الدين للإملاء في أماكن متعددة من الديار المصرية، وخصوصا بعد وفاة والده الحافظ زين الدين فابتدأ بمجالسه في شوال سنة عشر وثمان مئة، فأحيا الله به نوعا من العلوم كما أحياه قبل بأبيه (^٢) .
ثم قصد الحجاز لأداء فريضة الحج في سنة اثنتين وعشرين وثمان مئة، فأملى مجلسا في المسجد الحرام بمكة المكرمة، وابتدأ المجلس بحديث «المسلسل بالأولية» مع فوائد تتعلق به حضره الأئمة من المكيين وغيرهم (^٣) .
_________
(^١) انظر تفاصيل الحادثة في: الضوء اللامع: ١/ ٣٣٨.
(^٢) معجم شيوخ ابن حجر نقلا من الضوء اللامع: ١/ ٣٤٠.
(^٣) الضوء اللامع: ١/ ٣٣٩، وذيل التقييد، الورقة ١٠٨ أ، وقد ذكر سماعه لهذا المجلس على الحافظ.
1 / 22
قال تلميذه التقيّ ابن فهد (^١): «فسمعت عليه المجلس الأول من أماليه إملاء واستمليت عليه وقرأت أحاديث عشاريات انتقاها الإمام رضوان من أماليه» (^٢) .
وأملى أيضا مجلسا آخر في المسجد الحرام كان المستملي فيه زين الدين رضوان بن محمد العقبيّ (^٣) .
ثم قصد المدينة النبوية الشريفة فأملى مجلسين بالمسجد النبوي الشريف كان الأول باستملاء الزين رضوان، والثاني باستملاء شرف الدين يحيى بن محمد المناوي (^٤) .
١٠ - مجالس التحديث: -
مال الحافظ وليّ الدين بطبعه إلى الحديث الشريف فأحبه وصنّف فيه كثيرا وكان كثير التنقل في ضواحي القاهرة وغيرها من مدن الديار المصرية، فما إن حل في بلد حتى سارع إلى عقد مجلس التحديث فيه، فقد حدث في: انبابة وساقية مكة من الجيزة والجزيرة الوسطى والمكان المعروف
_________
(^١) لحظ الألحاظ: ٢٨٨.
(^٢) وقال أيضا: «حدّثنا الإمام الحافظ وليّ الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين المصري وقرأته عليه استملاء في يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة الحرام سنة اثنتين وعشرين وثمان مئة في المسجد الحرام لما قدم علينا حاجّا قال أخبرنا الحافظ. . .» وذكر له حديثا. (لحظ الألحاظ: ٢٨٩ - ٢٩٠).
(^٣) الضوء اللامع: ١/ ٣٣٩.
(^٤) المصدر نفسه. وقد بلغت مجالس الحافظ وليّ الدّين التي أملاها ست مئة مجلسا، وقد ذكر السخاوي في ترجمة القاضي بدر الدين محمّد بن محمد بن عبد المنعم البغدادي وهو تلميذ الحافظ وليّ الدين ما نصه: وأخذ عن شيخنا [ابن حجر] ومن قبله عن «الولي العراقي» ورأيت الولي كتب بآخر المجلس السادس والثمانين بعد الخمسمائة من أماليه الذي كان إملائه في ثامن عشري جمادى الآخرة سنة ست وعشرين [وثمان مئة] ما نصه: . . . (ذيل رفع الإصر: ٣٥٠).
1 / 23
بالسبع وجوه وطنان وغيرها من القليوبية، ومنوف، بل وحدث ببعض مناهل الحجاز كالينبوع (^١) .
مناصبه القضائيّة
١ - نيابة القضاء: -
ناب وليّ الدين في القضاء عن عماد الدين أحمد بن عيسى الكركي في سنة نيّف وتسعين وسبع مئة فمن بعده، واستمر في هذه النيابة نحو عشرين سنة، ثم ترفع عن ذلك وفرغ نفسه للإفتاء والتدريس والتصنيف (¬٢) .
٢ - قضاء منوف: -
أسند إليه قضاء منوف وعملها، وغير ذلك (¬٣) .
٣ - قاضي القضاة بالديار المصرية: -
تولى الحافظ هذا المنصب في منتصف شوال سنة ٨٢٤ هـ، حيث اختاره الملك الظاهر ططر بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدّين البلقيني بأربعة أيام، وسار فيه سيرة حسنة، حتى صرف عنه لأمور أوجبت ذلك، وقد توسعنا في الكلام عليها في محنته ووفاته من هذه الدراسة.
_________
(^١) قال السخاوي في ترجمة القاضي شرف الدين يحيى بن محمد بن مخلوف المناوي وهو تلميذ الحافظ وليّ الدين ما نصه: «وسمع عليه [يعني وليّ الدّين العراقيّ] من الكتب والأجزاء ونحوها أشياء حتى أخذ عنه ببعض النواحي كانبابة والجزيرة الوسطى والمكان المعروف بالسبع وجوه والمنوفية وغيرها. وكذا ببعض مناهل الحجاز كالينبوع وشبهها على ما سمعته منه ثم رأيته في الطباق. (ذيل رفع الإصر: ٤٤٢، والضوء اللامع: ١/ ٣٤٢).
(^٢) ذيل التقييد، الورقة ١٠٨ ب، وإنباء الغمر: ٨/ ٢٢، والمنهل الصافي: ١/ ٣١٣، والضوء اللامع: ١/ ٣٣٩، وحسن المحاضرة: ١/ ٣٦٣.
(^٣) الضوء اللامع: ١/ ٣٣٩.
1 / 24
مشيخة التصوف: -
تولى الحافظ مشيخة التصوف (^١) بالمدرسة الجمالية الناصرية عقب وفاة الشيخ همام الدّين محمد بن أحمد الخوارزميّ الشافعيّ، وهي وظيفة جليلة يقوم متوليها بالإشراف على رجال الطرق الصوفية، وهي ترادف وظيفة «شيخ الشيوخ» ببلاد الشام (^٢) .
تلاميذه
لما اشتهر الحافظ وليّ الدين وذاع صيته بين الناس، وبلغت سمعته أرجاء البلاد المصرية فأصبح ملحوظا من طلبة العلم ورواد المعرفة فسارعوا بالرحلة إليه والأخذ عنه والسماع عليه. وقد حفظت لنا مصادر ترجمته عددا من أسماء تلامذته، واستطعنا الوقوف على عدد آخر منهم بالرجوع إلى كتب التراجم رتبناهم على سني وفياتهم وأشرنا إلى المصادر التي ذكرت سماعهم عليه أو تخرجهم به في علم الأصول والفقه والحديث وغيرها من العلوم التي تميز بها الحافظ، وهم: -
١ - شرف الدين يعقوب المغربي المالكي المتوفى سنة ٧٨٣ هـ (^٣) .
٢ - تقيّ الدين أبو الطيب محمد بن أحمد بن علي الحسني الفاسي المكي (ت ٨٣٢ هـ) (^٤) .
٣ - شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد المناوي الجوهري الشافعي (ت ٨٤٠ هـ) (^٥) .
_________
(^١) ذيل التقييد، الورقة ١٠٨ ب، وإنباء الغمر: ٨/ ٢٢، والضوء اللامع: ١/ ٣٣٩.
(^٢) صبح الأعشى: ٦/ ٣٨ و٨/ ١٧٢، ١٧٥، ١٨٩.
(^٣) الذيل على العبر: وفيات سنة ٧٨٣ هـ، والضوء اللامع: ١/ ٣٤٢.
(^٤) ذيل التقييد، الورقة ١٠٨ أ.
(^٥) شذرات الذهب: ٧/ ٢٣٦.
1 / 25
٤ - القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياني المصري (ت ٨٥٠ هـ) (^١) .
٥ - زين الدين أبو النعيم رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة العقبي (ت ٨٥٢ هـ) (^٢) .
٦ - القاضي بدر الدين أبو الإخلاص محمد بن أحمد بن محمد القرشي الإسكندري المعروف بابن التنسي (ت ١٣ صفر ٨٥٣ هـ) (^٣) .
٧ - زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السندبيسي النحوي (ت ١٧ صفر ٨٥٣ هـ) (^٤) .
٨ - كمال الدين محمد بن محمد بن عثمان بن محمد الجهني الأنصاري الحموي (ت ٨٥٦ هـ) (^٥) .
٩ - القاضي بدر الدين أبو المحاسن محمد بن محمد بن عبد المنعم البغدادي القاهري الحنبلي (ت ٨٥٧ هـ) (^٦) .
١٠ - عز الدين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد القيلوي البغدادي الحنفي (ت ٨٥٩ هـ) (^٧) .
١١ - القاضي وليّ الدين أبو البقاء محمد بن محمد بن عبد اللطيف السنباطي القاهري المالكي (ت ١٩ رجب ٨٦١ هـ) (^٨)
١٢ - كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي الإسكندري ابن الهمام (ت ٧ رمضان ٨٦١ هـ) (^٩) .
_________
(^١) ذيل رفع الإصر: ٢٧٨ - ٢٩٥.
(^٢) لحظ الألحاظ: ٣٤٣.
(^٣) ذيل رفع الإصر: ٢٣٩ - ٢٤٥.
(^٤) شذرات الذهب: ٧/ ٢٧٩ - ٢٨٠.
(^٥) شذرات الذهب: ٧/ ٢٩٠.
(^٦) ذيل رفع الإصر: ٣٤٩ - ٣٥٥.
(^٧) شذرات الذهب: ٧/ ٢٩٤ - ٢٩٥.
(^٨) ذيل رفع الإصر: ٣٤٤ - ٣٤٨.
(^٩) شذرات الذهب: ٧/ ٢٩٨ - ٢٩٩.
1 / 26