في ما قسم لهم من الحياة ولا يتكلفوا في أمر من الأمور إذ كانوا على الفطرة والفطرة لا تهدي إلا إلى ما جهزها الله بما يلائمها في نيله، ولا تتكلف الاستواء على ما لم يسهل الله لها الارتقاء على مستواه، قال تعالى حكاية عن نبيه (صلى الله عليه وآله):
" وما أنا من المتكلفين " (1) وقال تعالى: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " (2) وقال تعالى: " لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها " (3) وإذ كان التكلف خروجا عن الفطرة فهو من اتباع الشهوة والأنبياء في مأمن منه.
وقال تعالى وهو أيضا من التأديب بأدب جامع: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون " (4) أدبهم تعالى أن يأكلوا من الطيبات، أي أن يتصرفوا في الطيبات من مواد الحياة ولا يتعدوها إلى الخبائث التي تتنفر منها الفطرة السليمة، وأن يأتوا من الأعمال بالصالح منها وهو الذي يصلح للإنسان أن يأتي به مما تميل إليه الفطرة بحسب ما جهزها الله من أسباب تحفظ بعملها بقاءه إلى حين، أو أن يأتوا بالعمل الذي يصلح أن يقدم إلى حضرة الربوبية، والمعنيان متقاربان، فهذا أدب يتعلق بالإنسان الفرد.
ثم وصله تعالى بأدب اجتماعي فذكر لهم أن الناس ليسوا إلا أمة واحدة:
المرسلون والمرسل إليهم، وليس لهم إلا رب واحد، فليجتمعوا على تقواه، ويقطعوا بذلك دابر الاختلافات والتحزبات، فإذا التقى الأمران أعني الأدب الفردي والاجتماعي تشكل مجتمع واحد بشري مصون عن الاختلاف يعبد ربا واحدا، ويجري الآحاد منه على الأدب الإلهي فاتقوا خبائث الأفعال وسيئات الأعمال فقد استووا على أريكة السعادة.
وهذا ما جمعته آية أخرى وهي قوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين
صفحة ٤٣