ورعاية هذا الأسلوب في التعليمات الدينية وخاصة في التعليم الديني الإسلامي من أوضح الأمور، فلم يأخذ شارع الدين في تعليم مؤمنيه بالكليات العقلية والقوانين العامة قط بل بدأ بالعمل وشفعه بالقول والبيان اللفظي، فإذا استكمل أحدهم تعلم معارف الدين وشرائعه استكمله وهو مجهز بالعمل الصالح مزود بزاد التقوى.
كما أن من الواجب أن يكون المعلم المربي عاملا بعلمه فلا تأثير في العلم إذا لم يقرن بالعمل، لأن للفعل دلالة كما أن للقول دلالة، فالفعل المخالف للقول يدل على ثبوت هيئة مخالفة في النفس يكذب القول فيدل على أن القول مكيدة ونوع حيلة يحتال بها قائله لغرور الناس واصطيادهم.
ولذلك نرى الناس لا تلين قلوبهم ولا تنقاد نفوسهم للعظة والنصيحة إذا وجدوا الواعظ به أو الناصح بإبلاغه غير متلبس بالعمل متجافيا عن الصبر والثبات في طريقه، وربما قالوا: " لو كان ما يقوله حقا لعمل به " إلا أنهم ربما اشتبه عليهم الأمر في الاستنتاج منه، فإن النتيجة أن القول ليس بحق عند القائل، إذ لو كان حقا عنده لعمل به، وليس ينتج أن القول ليس بحق مطلقا كما ربما يستنتجونه.
فمن شرائط التربية الصالحة أن يكون المعلم المربي نفسه متصفا بما يصفه للمتعلم متلبسا بما يريد أن يلبسه ، فمن المحال العادي أن يربي المربي الجبان شجاعا باسلا، أو يتخرج عالم حر في آرائه وأنظاره من مدرسة التعصب واللجاج وهكذا.
قال تعالى: " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " (1) وقال: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " (2) وقال حكاية عن قول شعيب لقومه: " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت " (3) إلى غير ذلك من الآيات.
صفحة ٣٨