سنن الدارمي - ت زمرلي والعلمي
محقق
الدكتور/ مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
الناشر
(بدون ناشر) (طُبع على نفقة رجل الأعمال الشيخ جمعان بن حسن الزهراني)
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
فِي الْبُلْدَانِ، مُتَّفِقُونَ فِي الرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ، مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الاِخْتِلَافِ، وَتَسَكَّعَ (١) أَصْحَابُ الأَهْوَاءِ بِرَأْيِهِمْ فِي سُبُلٍ مُخْتَلِفَةٍ، جَائِرَةٍ عَنِ الْقَصْدِ، مُفَارِقَةٍ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَتَوَّهَتْ* بِهِمْ أَدِلَاّؤُهُمْ في مَهَامِهَ مُضِلَّةٍ، فَأَمْعَنُوا فِيهَا مُتَعَسِّفِينَ فِي تِيهِهِمْ، كُلَّمَا أَحْدَثَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ بِدْعَةً فِي ضَلَالَتِهِمُ انْتَقَلُوا مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، لأَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا أَثَرَ السَّابِقِينَ وَلَمْ يَقْتَدُوا بِالْمُهَاجِرِينَ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ لِزِيَادٍ: هَلْ تَدْرِي مَا يَهْدِمُ الإِسْلَامَ؟ زَلَّةُ عَالِمٍ وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ، لم (٢) اتَّقُوا اللَّهَ وَمَا حَدَثَ فِي قُرَّائِكُمْ وَأَهْلِ مَسَاجِدِكُمْ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْمَشْي بَيْنَ النَّاسِ بِوَجْهَيْنِ وَلِسَانَيْنِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي النَّارِ، يَلْقَاكَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ فَيَغْتَابُ عِنْدَكَ مَنْ يَرَى أَنَّكَ تُحِبُّ غِيبَتَهُ، وَيُخَالِفُكَ إِلَى صَاحِبِكَ فَيَأْتِيهِ عَنْكَ بِمِثْلِهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَصَابَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا حَاجَتَهُ، وَخَفِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا مَا أتى عِنْدَ صَاحِبِهِ، حُضُورُهُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ حُضُورُ الإِخْوَانِ، وَغَيْبَتُهُ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ غَيْبَةُ الأَعْدَاءِ، مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ كَانَتْ لَهُ الأَثَرَةُ، وَمَنْ غَابَ مِنْهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ، يَفْتِنُ (٣) مَنْ حَضَرَهُ بِالتَّزْكِيَةِ، وَيَغْتَابُ مَنْ غَابَ عَنْهُ بِالْغِيبَةِ، فَيَا لِعِبَادَ اللَّهِ: أَمَا فِي الْقَوْمِ مِنْ رَشِيدٍ وَلَا مُصْلِحٍ يَقْمَعُ هَذَا عَنْ مَكِيدَتِهِ، وَيَرُدُّهُ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؟، بَلْ عَرَفَ هَوَاهُمْ فِيمَا مَشَىَ بِهِ إِلَيْهِمْ، فَاسْتَمْكَنَ مِنْهُمْ* وَأَمْكَنُوهُ مِنْ حَاجَتِهِ، فَأَكَلَ بِدِينِهِ مَعَ أَدْيَانِهِمْ، فَاللَّهَ اللَّهَ، ذُبُّوا عَنْ حُرَمِ غُيَّابِكُمْ، وَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْهُمْ إِلَاّ مِنْ خَيْرٍ، وَنَاصِحُوا اللَّهَ فِي أُمَّتِكُمْ، إِذْ كُنْتُمْ حَمَلَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ الْكِتَابَ لَا يَنْطِقُ حَتَّى يُنْطَقَ بِهِ، وَإِنَّ السُّنَّةَ لَا تَعْمَلُ حَتَّى يُعْمَلَ بِهَا، فَمَتَى يَتَعَلَّمُ الْجَاهِلُ إِذَا سَكَتَ الْعَالِمُ، فَلَمْ يُنْكِرْ مَا ظَهَرَ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِمَا تُرِكَ، وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، لِيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ (٤)، اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ رَقَّ فِيهِ الْوَرَعُ، وَقَلَّ فِيهِ الْخُشُوعُ، وَحَمَلَ الْعِلْمَ مُفْسِدُوهُ، فَأَحَبُّوا أَنْ يُعْرَفُوا بِحَمْلِهِ،
(١) التسكع: التحير، وهل يستوي ضلال قوم تسكعوا، وهو أيضا التمادي في الباطل. (النهاية ٢/ ٣٨٤). * ت ٦٢/ب. (٢) زدتها ليصح المعنى، ولم تكن في الأصول، فلو اتقوا الله ما صح أن يقال: أئمة مضلون. (٣) في (ر، ف، و) يقين، وفي المطبوع (يغبن). * ك ٧٤/ب. (٤) اقتباس من قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ سورة آل عمران الآية (١٧٨). *ت ٦٢/ب.
1 / 238