الأدب ، ونفورهم عنه وما يظهر في بعضهم من القحة ، وفي بعضهم من الحياء وكذلك ما يرى فيهم من الجود ، والبخل والرحمة والقوة والحسد ، وضده إلى سائر الأحوال المتفاوتة ، ما تعرف به مراتب الإنسان في قبول الأخلاق الفاضلة ، وتعلم منه أنهم ليسوا على مرتبة راحدة ، وأن فيهم المواتي والممتنع والسهل والفظ العسير و الخير والشرير ، والمتوسط بين هذه الأطراف في مراتب لاتحصى كثرة ، وإذا أهملت الطباع ، و لم ترض (1) بالتأديبا والتقويم ، نشأ كل إنسان على سوء طباعه ، وبقي عمره كله على الحال التي كان عليها في الطفولية أو تبع ما وافقه بالطبع .
أما الغضب وأما اللذه وأما الزعارة (2) ، وأما الشره ، فينبغي أن نقول الآن في الحيلة لتى يمكننا بها أن نقتني الأخلاق الحسنة .
فأقول : إنه يجب أولا أن نحصى الأخلاق خلقا خلقا ، ونحصى الأفعال الكائتة عن خلق خلق .ومن بعد ذلك ننظر ونتأمل أي خلق بحد أنفسنا عليه ، وهل (3) ذلك الخلق الذي اتفق لنا منذ أول أمرنا جميل أر قبيح ؟
والسبيل إلى الوقرف على ذلك أن نتأمل أي فعل إذا فعلناه ، لحقنا من الفعل لذة وأي فعل إذا فعلناه نتأذى به ، فإذا رقفنا عليه نظرنا إلى ذلك الفعل أهو فعل يصدر عن الجميل أم هوصادر عن الخلق القبيح ، فإن كان ذلك كائنا عن خلق قبيح ، قلنا إن لنا خلقا جميلا ، وإن كان ذلك كائنا عن خلق قبيح قلنا إن لنا خلقا ما قبيحا ، فبهذا الوجه نقف على الخلق الذي تصادف أنفسنا عليه أي خلق هو ، وكما أن الطبيب متى وقف على حال البدن بالأشياء البالغة لأحواله نظر فإن كانت الحال التي صادفه عليها حال الصحة احتال في حفظها على البدن ، وإن كان ما يصادف عليه البدن حال سقم عمل الحيلة في إزالته عنه ، كذلك متى صادفنا أنفسنا على خلق جميل احتلنا في حفظه ، وإن صادفناها على خلق قبيح استعملنا الحيلة في إزالته عنها . فإن الخلق القبيح سقم نفسانى . فينبغي أن نحتذي في إزالة أسقام النفس حذو الطبيب في إزالة أسقام البدن ، ثم ننظر بعد ذلك الخخلق القبيح الذي
صفحة ٤٤