337

السلوك في طبقات العلماء والملوك

محقق

محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي

رقم الإصدار

الثانية

والتعرض للْخدمَة إِمَّا مَكَان أَبِيه أَو غَيره فَخرج من ذِي الْجنان وَصَارَ قَاصِدا بَاب السُّلْطَان فَلَمَّا صَار بِشَيْء من الطَّرِيق إِذْ بطائر أَخْضَر قد وَقع على كتفه ثمَّ مد منقاره إِلَى فِيهِ فَفتح الشَّيْخ فَاه لَهُ فصب الطَّائِر إِلَيْهِ شَيْئا فابتلعه الشَّيْخ ثمَّ عَاد من فوره إِلَى بَلَده فَلَزِمَ الْخلْوَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ فِي الْيَوْم الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ خرج من المتعبد وَقعد على صَخْرَة يتعبد فانفلقت الصَّخْرَة عَن كف وَقيل لَهُ صَافح الْكَفّ فَقَالَ وَمن أَنْت قَالَ لَهُ أَبُو بكر فصافح فَقَالَ لَهُ قد نصبتك شَيخا وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ فِي شَيْء من كَلَامه الَّذِي يُخَاطب بِهِ أَصْحَابه حَيْثُ يَقُول وشيخكم أَبُو بكر الصّديق ثمَّ ألْقى لَهُ الْحبّ فِي قُلُوب النَّاس والوجاهة فتحكم لَهُ قوم كثير وَله كتب فِي المواعظ
نحا نَحْو ابْن الْجَوْزِيّ وَلذَلِك كَانَ يُقَال لَهُ جوزي الْيمن وَذكروا أَنه لما اجْتمع بالشيخ أبي الْغَيْث الْمُقدم ذكره بعد مُكَاتبَة كَانَت بَينهمَا يطول ذكرهَا وفاتحه الْكَلَام وأجابه أعجبه وَعلم أَنه أعجب بذلك قَالَ لَهُ أَنْت جوزي الْوَقْت وَأَنا دورته وأخشى دورتي تكسر جوزتك ثمَّ إِن الشَّيْخ أمْلى شَيْئا من كَلَامه على بعض الْحَاضِرين فَكَتبهُ ثمَّ قَالَ لِلْكَاتِبِ أعْط الورقة لِأَحْمَد فَلَمَّا أَخذهَا قَالَ يَا أَحْمد أتم هَذَا الْكَلَام فَأخذ الورقة وَقبلهَا وَقَالَ لَا يحسن للْعَبد أَن يكمل كَلَام سَيّده ثمَّ إِنَّه عَاد من بَيت عطا بِغَيْر دستور من أبي الْغَيْث فقصده بعد ذَلِك فَلم يجده فَقَالَ وَلَو وقف الْجبلي لأخذ القماش
وَكَانَت بَينهمَا مكاتبات يطول شرحها وَله فِي التصوف فُصُول كَثِيرَة يتَكَلَّم بهَا على لُغَات شَتَّى فَسئلَ بعض العارفين من أَيْن كَانَ الشَّيْخ يعرف تِلْكَ اللُّغَة وَهُوَ عَرَبِيّ وَلم يكد يعرف لَهُ خُرُوج من بَلَده
وَأَهْلهَا عرب لَا يعْرفُونَ غير الْعَرَبيَّة فَقَالَ كَانَت روح الشَّيْخ مهبطا لأولياء الله وَلَهُم لُغَات كَثِيرَة يَتَكَلَّمُونَ بهَا على لِسَان الشَّيْخ فَنَطَقَ بهَا كَمَا يَقُولُونَ
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه كَانَ يكْتب كَلَامه الَّذِي ينْطق بِهِ بآلات مُتَفَرِّقَة ثمَّ يستعرض ذَلِك مِمَّا لم يُدْرِكهُ غسله وَقَالَ كَانَ الشَّيْخ أشوق إِلَى كَلَامه من سامعيه وَكَانَ مَتى علم أَن فِي السامعين لكَلَامه من لَا يفهمهُ قَالَ معرضًا بِهِ ... يَا وَاقِفًا على المَاء وَهُوَ عطشان
وَسَأَلَهُ السُّلْطَان عَلَاء الْآتِي ذكره فِي فُقَهَاء الأجناد وَهُوَ من أكبر أَصْحَابه عَن أَرْجَى آيَة فِي الْقُرْآن قَالَ قَوْله تَعَالَى ﴿قل كل يعْمل على شاكلته﴾ قَالَ إِذا كَانَت

1 / 395