ما هذه الظروف المؤلمة لحامية قليلة العدد نال منها القتل والجراح والتعب! عليها الآن أن تقسم نفسها لتدافع عن أخطر نقطة في أسوار المدينة. لقد حوصر الأسطول الإغريقي فلم تعد له حرية الحركة، ووقع في خطر عظيم.
لقد كان الموقف ميئسا للغاية. فماذا تعمل بيزنطة أمام عدوها الهائج القوي؟ وكان على المحاصرين أن يراقبوا بدقة حركات الأسطول التركي في القرن الذهبي خوفا من أن تدمر سفنهم، وأخذوا يفكرون في كيفية تدمير الأسطول العثماني، ولكن هناك مغامرة في تنفيذ مثل ذلك المشروع، لقد قال فريق بجمع السفن المسيحية ومهاجمة السفن الإسلامية الراسية على الجانب الآخر للقرن الذهبي.
ولكن لتنفيذ مثل هذه الخطة كان من الواجب تعاون الجنويين في غلطة، ولكن الجنويين في غلطة ما كانوا يجرءون على إعلان الحرب على السلطان أو القيام بعمل يرى فيه السلطان أي اعتداء على حقوقه.
وقال فريق بإرسال قوة لمهاجمة السفن التركية وتدمير البطاريات الموجودة هناك. وقال فريق ثالث بأن تقوم السفن المسيحية بمهاجمة الأسطول العثماني دون استشارة جنويي غلطة أو موافقتهم، ويكون ذلك بسرعة قبل فوات الوقت. وأقر ذلك المشروع وقرر تنفيذه.
وفي 24 أبريل قامت سفينتان تؤيدهما سفينتان أخريان لتأدية هذه المهمة، ويقول المؤرخ المعاصر باربرو بأن الجنويين أصحاب بيرا وغلطة «أعداء المسيحية» قد أعلموا السلطان بالمشروع البيزنطي، فأخذ السلطان حذره واستعد استعدادا كافيا بتحصين المكان الذي تجمع فيه الأسطول العثماني وأعده بالأسلحة اللازمة. لقد رأى الجنويون في هذه الحملة البيزنطية حملة للبنادقة يجب معارضتها والعمل على إخفاقها.
فإلى هذا الحد تدخلت الأحقاد والمنافسات بين الجمهوريتين الإيطاليتين جنوة والبندقية، وكان غرض الجنويين التقرب للسلطان على حساب بيزنطة والبنادقة.
كان على البيزنطيين الآن تقسيم قوات دفاعهم وتوجيه جانب لا بأس به من هذه القوات إلى الدفاع عن ناحية القرن الذهبي، ولما كانت قوات الدفاع قليلة العدد كان اقتطاع جزء منها معناه إضعاف الدفاع في النواحي الأخرى.
وأحس البيزنطيون بذلك الخطر الجديد، ولا بد من العمل على مقاومة الأسطول التركي الموجود في القرن الذهبي قبل أن يستفحل خطبه؛ ولذا وضع مشروع لتدمير السفن العثمانية في مراسيها. ولم ينفذ المشروع البيزنطي الجديد إلا في 28 أبريل، فكلفت ثلاث سفن كبيرة وسفن أخرى صغيرة بمهمة الهجوم، واختلف قباطنة السفن فيما بينهم، فأراد البعض التقدم في الهجوم لينال شرف الفوز، فأصابهم جميعا الفشل الذريع، وانطوت سفنهم في اليم غرقى بمن فيها، وانهزمت الحملة وسقط المشروع، ورجعت السفن المسيحية التي نجت بصعوبة من مدافع الأتراك.
وكان لهذه الهزيمة أثر كبير على نفوس المحاصرين، فلقد فشلت آمالهم وتحطمت، وضاع جانب كبير من ثقتهم بأنفسهم، وأما من استطاع من البحارة الإغريق أو الأجانب الوصول إلى الشاطئ فلقد قبض عليهم الأتراك وضربوا أعناقهم تحت أسوار المدينة المحاصرة وتحت أنظار البيزنطيين، وأجاب الإمبراطور البيزنطي على ذلك بأن أتى بمائة وخمسين من الأتراك وشنقهم على الأسوار بمرأى من الجيش التركي. وقام النزاع الحاد بين البنادقة والجنويين في القسطنطينية، وتحزب لكل من الفريقين بعض الأهالي، واتهم كل واحد منهما الآخر بأنه سبب الفشل البحري السالف الذكر، وكادوا يتشاجرون لولا تدخل الإمبراطور البيزنطي في الوقت المناسب، ونصحه للفريقين بأن يراعيا قبل كل شيء مصلحة المسيحية التي تعاني الآن من خطر كبير لا يرحم حياتها ولا ضعفها.
واستمر الأتراك في دق أسوار المدينة وفي محاولات نقبها، واستمر البيزنطيون في محاولة إصلاح العطب ليل نهار دون هوادة، ولكي يسهل السلطان محمد الثاني الاتصال بين جنوده على الضفة اليسرى للقرن الذهبي وجنوده حول الأسوار، أنشأ قنطرة عظيمة عائمة ينتهي طرفها عند نقطة ضعيفة في الأسوار البيزنطية؛ مما دعا المحاصرين إلى اتخاذ وسائل الحيطة في هاته النقطة وتقسيم الدفاع الصغير العدد من جديد.
صفحة غير معروفة