فتضايق ياسين من أذن الرجل الثقيلة، واستحى أن يرفع من صوته وإذا بصوت يجيء من وسط الحجرة عاليا وهو يقول: أراهن على أنه يسألك عن الوصفة، وصفتك التي ستذهب بنا جميعا إلى القبر ..
وتراجع ياسين متبرما إلى مكتبه، فقال له الرجل دون مبالاة بإحراجه، وبصوت سمعته الحجرة كلها: أنا أقول لك عنها، هات قشر مانجو، اغله غليا شديدا، وداوم على ذلك حتى يصير سائلا لزجا كالعسل، وخذ منه ملعقة على غيار الريق ..
وضحكوا جميعا، غير أن إبراهيم فتح الله قال متهكما: فايق ورايق، انتظر حتى تأخذ الدرجة السادسة وهي تشد حيلك! ..
فتساءل ياسين ضاحكا: وهل تنفع الدرجة في هذه المسألة؟ ..
فقال جار ياسين ضاحكا أيضا: لو صحت هذه النظرية، لاستحق عم حسنين فراش مكتبنا أن يكون وزير المعارف! ..
وضرب إبراهيم فتح الله كفا بكف، وقال مسائلا زملاءه جميعا: يا إخوان، هذا الرجل (مشيرا إلى ياسين) طيب وظريف وابن حلال، ولكن هل يشتغل بمليم؟ .. أنا راض بذمتكم! ..
فقال ياسين هازئا: دقيقة عمل مني تساوي شغل يوم منك! .. - الحكاية أن المدير يترفق بك، وأنك تتوكل على ابنك في هذا العهد الأغبر! ..
فقال ياسين ملحا في إغاظته: وفي كل عهد وحياتك، ابني في هذا العهد، فإذا جاء الوفد عندك ابن أختي وأبي، قل من عندك أنت! ..
فقال الرجل وهو يرفع رأسه إلى السقف: عندي ربنا! .. - وهو سبحانه عندي أيضا، أليس برب الجميع؟ .. - ولكنه لن يرضى عن زباين محمد علي! .. - وهل يرضى عن مدمني الأفيون والمنزول؟ .. - ليس أبشع في الوجود من السكير! .. - الخمر شراب الوزراء والسفراء، ألا تراهم في الصحف وهم يشربون الأنخاب؟ ولكن هل رأيت سياسيا يقدم قطعة أفيون في حفل سياسي في صحة عقد معاهدة مثلا؟! ..
فقال جار ياسين وهو يغالب الضحك: هس يا جماعة، وإلا قضيتم مدة خدمتكم في السجن!
صفحة غير معروفة