148

السكرية

تصانيف

فضحك أحمد ضحكة عالية وقال: كلكم! هذا أكثر مما يحتمل، خالي كمال لا يريد أن يتزوج، وخالي ياسين يود لو يتزوجها وحده ..

وضحكوا جميعا إلا خديجة، ثم قال ياسين قبل أن تزايل وجهه هيئة الضحك: إذا كان في هذا فض المشكلة فأنا على أتم استعداد للتضحية!

فهتفت خديجة: اضحكوا، إنه يتشجع بضحككم، خير من ذلك أن تصارحوه بآرائكم، ما رأيكم فيمن يرغب في الزواج من «كريمة» عامل المطبعة التي يعمل بمجلتها؟ إنه يعز علينا أن تعمل بالمجلة «جورنالجي» فكيف وأنت تريد أن تصاهر عمالها! أليس لك رأي يا سي إبراهيم؟

فرفع إبراهيم شوكت حاجبيه كأنما يريد أن يقول شيئا، ولكنه سكت، فعادت تقول: لو وقعت هذه المصيبة فسيمتلئ بيتك ليلة الزفاف بعمال المطبعة والعنابر والحوذية، والله أعلم بما خفي!

فقال أحمد بتأثر: لا تتكلمي هكذا عن أهلي! - يا رب السماوات، أتنكر أن هؤلاء هم أهلها؟ - سأتزوجها هي وحدها، إني لا أتزوج بالجملة ..

فقال إبراهيم شوكت في ضجر: لن تتزوجها وحدها، الله يتعبك كما تتعبنا!

فقالت خديجة متشجعة بمعارضة زوجها: ذهبت لزيارة بيتها كما تقضي العادة، قلت أرى عروس ابني، فوجدتهم يقيمون في بدروم في شارع كله يهود على الصفين، وأمها لا تفترق في هيئتها عن الخادمات المحترفات، والعروس نفسها لا يقل عمرها عن ثلاثين عاما، إي والله، ولو كان بها ذرة من جمال لعذرته، لماذا يريد أن يتزوجها؟ أنه مسحور، سحرته بحيلة، إنها تعمل معه في المجلة المشئومة، لعلها غافلته فوضعت له شيئا في القهوة أو الماء، اذهبوا وشوفوها واحكموا، أنا غلبت. لقد عدت من الزيارة لا أكاد أرى الطريق من حزني وأسفي .. - إنك تغضبينني، لن أغفر لك كلامك هذا. - العفو! العفو يا سيد الملاح! الحق علي، أنا طول عمري عيابة فرماني ربنا في أولادي بكل العيوب، أستغفر الله العظيم. - مهما تقولت عنهم فليس فيهم من يرمي الناس بالباطل .. مثلك! .. - بكرة يا ما تسمع، ويا ما تعرف، سامحك الله على إهانتي. - أنت التي أهنتني بما فيه الكفاية! - إنها تطمع في مالك، ولولا خيبتك ما طمعت في أحسن من بياع جرائد .. - إنها محررة في المجلة بمرتب ضعف مرتبي .. - جورنالجية هي الأخرى! .. ما شاء الله، وهل تتوظف إلا الفتاة البائرة أو القبيحة أو المسترجلة! - سامحك الله .. - فليسامحك أنت على ما تصب علينا من عذاب!

وهنا قال ياسين الذي كان يتابع الحديث ويده لا تمسك عن فتل شاربه: اسمعي يا أختي، لا داعي للنقار، سنصارح أحمد بما ينبغي قوله ولكن لا جدوى من الشجار ..

ونهض أحمد كالغاضب وهو يقول: عن إذنكم سأرتدي ملابسي لأذهب إلى عملي ..

ولما ذهب انتقل ياسين إلى جانب أخته ومال عليها قائلا: لن يفيدك الشجار شيئا، نحن لا نحكم أبناءنا، إنهم يرون أنفسهم خيرا منا وأذكي، إذا كان لا بد من الزواج فليتزوج، فإن سعد كان بها وإلا فهو المسئول عن نفسه، أنا لم يستقر بي بيت إلا بزنوبة كما تعلمين! فعسى أن يكون الخير فيما اختار، ثم إننا لا نعقل بالكلام ولكن بالتجارب.

صفحة غير معروفة