وإذا برياض قلدس يهتف مشيرا أمامه: «انظروا!» فنظروا إلى الجناح الأيسر من الشرفة فرأوا امرأة غريبة الشكل. كانت في الحلقة السابعة، نحيلة الجسد، حافية القدمين، ترتدي جلبابا مما يرتدي الرجال، وتضع على رأسها طاقية لا يبدو تحت حافتها أي أثر للشعر فهي صلعاء أو قرعاء، أما وجهها فبدا غارقا في أصباغ الزواق على هيئة مزرية مضحكة معا، ولم يكن فيها ناب واحد على حين راحت عيناها ترسلان في جميع الجهات نظرات تودد واستعطاف باسم - تساءل رياض باهتمام: شحاذة؟
فقال إسماعيل: مجذوبة على الأرجح ..
وقفت تنظر إلى المقاعد الخالية في الجناح الأيسر ثم اختارت مقعدا وجلست. عند ذلك انتبهت إلى أعين المحدقين فيها فابتسمت ابتسامة عريضة وقالت: مساء الخير يا رجال!
فرحب رياض بتحيتها وقال بحرارة: مساء الخير يا حاجة!
فندت عنها ضحكة ذكرت إسماعيل - على حد قوله - بالأزبكية في عزها! .. وقالت: حاجة! نعم أنا كذلك إن كنت تقصد المسجد «الحرام»!
وضحكوا ثلاثتهم فتشجعت وقالت بإغراء: اطلبوا لي الشاي والنارجيلة ولكم الأجر عند الله ..
فصفق رياض بحماس ليطلب لها ما أرادت، ومال على أذن كمال هامسا: «هكذا تبدأ بعض القصص!» أما العجوز فقد ضحكت في سرور وقالت: هذا كرم أيام زمان! .. أغنياء حرب يا أولادي؟
فقال كمال ضاحكا: نحن فقراء حرب؟ أي موظفون يا حاجة ..
وسألها رياض: ما الاسم الكريم؟
فارتفع رأسها في كبرياء مضحك وقالت: السلطانة زبيدة على سن ورمح! - السلطانة؟! - نعم .. (ثم وهي تضحك): ولكن رعيتي ماتوا! - الله يرحمهم! - الله يرحم الأحياء أما الأموات فحسبهم أنهم بين يدي الله .. خبروني من أنتم؟
صفحة غير معروفة