صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان

طه حسين ت. 1392 هجري
99

صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان

تصانيف

المنظر الأول (الجوقة وإلكترا)

إلكترا :

قد أمرني سادة هذا القصر؛ فأنا أحمل القربان، تتوالى الضربات التي أنال بها صدري، تسيل الدماء من خدي وقد تركت أظافري فيهما آثار الخمش. تغذي الزفرات قلبي، وتعلن هذه الثياب الممزقة، وهذا النقاب الممزقة على صدري العاري ما يملأ نفسي من ألم.

لقد زارت آلهة الفزع - ابنة الحلم ذات الشعور المنتثرة - مستقر النساء من هذا القصر منذرة بالانتقام، فملأته خوفا وهولا، وقطعت هذا الصمت المطلق، صمت الليل بالصياح والعويل. وأعلن الكهنة عن الآلهة أن نفوس الموتى قد ملأها السخط، فهي تتحفز للإيقاع بالقتلة.

أيتها الأرض، أيتها الأرض، إنما تتقدم إليك هذه الزوج (وهل أستطيع أن أنطق بهذا الاسم) إنما تتقدم إليك هذه الزوج بما أحمل من قربان لتتقي شر هذا النذير! قربان لا نفع فيه. فكيف تغسل ما سفكت من دم؟! يا لك من بيت تعس! ... ومستقر منكود! لن تشرق لك الشمس! إن الظلمة لتحيط بك منذ قضى سيدي.

لقد قضى هذا الملك القوي لا يقهر، تملك جلالته القلوب، إن الخوف اليوم لسائد متحكم.

إن السعيد في هذه الأرض لإله أو أكثر قوة من إله. ولكن العدل لا يلبث أن يوقع بالمجرم. يوقع به عنوة، في ضوء النهار، أو في الأصيل أو دون أستار الليل. لقد شربت الأرض الخصبة كثيرا من الدماء، فما أسرع ما نبت فيها الانتقام، وعما قريب ستتفتح أزهاره. إن الجريمة لمقترفها ينبوع آلام لا تقدر قسوتها، لا رحمة لمن ازدرى هذا المكان المقدس، مكان الزواج، فلو اجتمعت أنهار الأرض كلها على أن تغسل هذا الدم المسفوك - دم الزوج الشهيد - لما استطاعت أن تمحوه.

أما أنا فقد قضى علي الآلهة أن أعيش، يحيط بي ما ألم بوطني من نكال ودمار، بعد أن نزعت من قصر أبي وأكرهت على حياة الأرقاء، فعلي أن أكظم ما يملأ قلبي من بغض، وأن أحتمل ما يأمر به الطغاة من عدل أو جور. فإذا خلوت إلى نفسي، واستسلمت لما يملكني من حب الانتقام، ملكتني هذه العبرات أذرفها على موت أبي.

الفصل الثاني

تستشير إلكترا الجوقة فيما عسى أن تطلب إلى أبيها وإلى الآلهة حين تقدم القربان. فتشير عليها بالدعاء لنفسها وأخيها وأصدقائها، واستنزال السخط على كلوتيمنسترا وإيجستوس، وطلب التعجيل في الانتقام.

صفحة غير معروفة