اذهبي فزيني أشقياء آخرين. إلي أبلون، هلم فاسترد هذا الثوب ثوب النبوة. لقد رأيتني فيه موضع الهزء الظالم من العدو والصديق، أعامل معاملة الساحرات، وأدعى شقية، مشعوذة غرثى، لقد لقيت كل ألم. أما اليوم أيها الإله، إله الوحي، فإلى أي موت تسوق نبيتك؟ لقد نحر أبي على مذبح الآلهة، أما أنا فسأذبح على أدنأ عرش. على أن الآلهة لن يتركوا موتي من غير أن يثأروا له. عما قريب سيعود ذلك الذي يوقع بها العقاب، ابن قاتل لأمه،
12
منتقم لأبيه، يعاني الآن آلام النفي، طريد في غير هذه الأرض، ولكنه سيعود ليتم شقاء هذه الأسرة، ليردنه إلى داره ما يستنزل أبوه المحتضر على المجرمين من سخط. علام آسف هنا وأنا غريبة نازح؟ لقد رأيت ما كتب القضاء على تروادة، وإن الذي أعده القضاء لمن انتصر عليها لجور من السماء. ألا فلنستقبل الموت، فقد أقسم به الآلهة علينا قسما منكرا لا حنث فيه. أي أبواب الجحيم، ألا فلتفتحي؛ فإني أدعوك. لعل ضربة واحدة ترزقني الموت! لعل دمي يسيل أمواجا، ولعل عيني تغمضان من غير ألم. (ثم تعجب الجوقة بها وترثي لها، وتستنزل هي السخط على قاتليها وتنبئ بقتل أجاممنون، وتسرع إلى القصر مقدمة نفسها إلى القتلة لأنها قد وثقت بأن ليس لها مفر من الموت.) (وتتغنى الجوقة شقاء الإنسان وما يلقى أبناء أترية من سوء العاقبة.) (وإنها لفي ذلك؛ إذ تسمع صوت أجاممنون، وقد عمل فيه سلاح القتلة. فتفزع لذلك وتتساءل أتدعو الشعب إلى الثورة، أم تفزع لنصر الملك؟ ولكنها تضيع الوقت بالتردد والاستشارة.)
المنظر الخامس (الجوقة - كلوتيمنسترا)
كلوتيمنسترا :
إلى الآن لم أكن أتكلم إلا لغة تناسب حالي، أما الآن فلن أخجل من أن أستبدل من هذه اللغة لغة أخرى. لقد كنت أريد أن أنتقم من عدو، كنت أزعمه علي عزيزا، فوجب علي أن أحتال، لأوقعه في الشرك. لم أعد هذا العمل اليوم، وإنما هو قديم، كبغضي لهذا العدو، لقد حان حين الانتقام. لقد وصل العدو إلى حيث كنت أنتظره، ولقد كان كل شيء مهيأ، لا أجحد ما فعلت، لقد كان من العجز بحيث لم يستطع أن يهرب، أو أن يدافع عن نفسه، لقد لففته في حلة فاخرة، كما يؤخذ السمك في شبكة ليس له منها مخرج، لقد ضربته ضربتين، ولقد أن أنتين، ثم انحنت به ركبتاه، فخر صريعا، ثم تقدمت إلى آلهة الجحيم بضربة ثالثة، قذفت به إلى حيث تقيم الظلال. لقد لطخني دمه، كأنه ندى الموت، استمتعت به كما تستمتع الأرض بقطر السماء، حين توشك حباتها أن تنبت. هذا ما فعلت، ليرضكم ذلكم أيها الشيوخ أو يسخطكم؛ فأنا به راضية فاخرة. وددت لو قدمت إلى الآلهة القربان على جسمه! إذن لفعلت ولكنت عادلة. لقد شرب هذا الجبار القاسي - عند عودته إلى القصر - هذه الكأس التي كان قد ملأها إثما وجورا. (تنكر عليها الجوقة ما عملت وما قالت، فتجيبها فاخرة غير حافلة فتنذرها الجوقة بالنفي والسخط.)
كلوتيمنسترا :
تقضون علي بالنفي، وبلعن الأرجين، وسخط الشعب، من غير أن تنطقوا بكلمة قضاء على هذا المجرم الذي ضحى بابنتي وثمرة حبي ليهدئ الريح العاصفة، غير مفرق بينها وبين أي ضحية تؤخذ من المرعى؟ ألم يكن من الحق عليكم أن تقضوا عليه بالنفي لتعاقبوه على إثم كهذا؟ ولكنكم إنما تقضون علي وحدي وتظلمونني. أنذروا فإني قابلة نذيركم، فإذا استطعتم أن تقهروني فأنا خاضعة مطيعة، وإن أبت عليكم السماء، فستعلمون ولكن بعد أن سبق السيف العذل، كيف تقصدون وتأخذون أنفسكم بالاعتدال.
الجوقة :
إنك فيما تدبرين وفي ما تنطقين لتحقرين كل شيء لا تسعين إلا إلى القتل، إن الدم لينبجس من عينيك الملتهبتين، لتموتن عقابا على ما جنيت من موت.
صفحة غير معروفة